الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية: الجهات التي يحق لها مساءلة الناظر :

        باستقراء كلام الفقهاء يظهر أن الجهات التي يحق لها مساءلة الناظر ثلاث جهات:

        الأولى: السلطان:

        فالسلطان تثبت له الولاية العامة على مصالح المسلمين، وينوب عنه القاضي.

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لولي الأمر أن ينصب ديوانا مستوفيا [ ص: 412 ] لحساب الأموال السلطانية، كالفيء وغيره، وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب، وضبط مقبوض المال، ومصروفه من العمل الذي له أصل ; لقوله تعالى: والعاملين عليها ، وفي الصحيح: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على الصدقة فلما رجع حاسبه "، ولحديث عائشة رضي الله عنه السابق : "السلطان ولي من لا ولي له".

        وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين، والمستوفي الجامع نائب الإمام في محاسبتهم، ولا بد عند كثرة الأموال ومحاسبتهم من ديوان جامع...، وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له، والجعل الذي ساغ له فرضه ، وإذا عمل هذا ولم يعط جعله فله أن يطلب على العمل الخاص، فإن ما وجب بطريق المعاملة يجب".

        وفي حاشية ابن عابدين: "قال في الخيرية : وهو صريح في أن نائب القاضي لا يملك إبطال الوقف، وإنما ذلك خاص بالأصل الذي ذكره له السلطان في منشوره نصب الولاة والأوصياء، وفوض له أمور الأوقاف".

        ولما عدد الفقهاء ما يستفيده القاضي إذا ثبتت ولايته ذكروا منها : النظر في الوقوف في عمله، وعللوه: بأن العادة من القضاة توليها، فعند إطلاق تولية القضاء تنصرف إلى ولاية ما جرت العادة بولايته لها.

        وفي مجموع الفتاوى : "الجواب: نعم، لولي الأمر أن ينصب ديوانا [ ص: 413 ] مستوفيا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة، كما له أن ينصب الدواوين مستوفيا لحساب الأموال السلطانية : كالفيء وغيره.

        وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله : من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب، وضبط مقبوض المال، ومصروفه من العمل الذي له أصل".

        وفي يومنا هذا يوجد بما يسمى بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، أو ما يسمى بهيئة الأوقاف تتولى النظر في جملة من الأوقاف.

        الثانية: الواقف:

        للواقف ولاية إشرافية على الناظر في جملة أمور، فهو الذي ينصب الناظر، وله عزله - عند بعض العلماء كما حررته في موضعه من هذا البحث - وله تحديد أجرته، وإنما يعمل الناظر بشرط الواقف.

        الثالثة: الموقوف عليهم:

        فإن للموقوف عليهم المستحقين من غلة الوقف مطالبة الناظر بالمحاسبة على المستخرج والمصروف، ولهم مساءلته عما يحتاجون إلى علمه من أمور وقفهم، ولهم مطالبته بانتساخ كتاب الوقف لتكون نسخته في أيديهم.

        هذه هي الجهات التي لها أن تسائل الناظر أو تراقبه، أو لها ولاية إشراف عليه.

        [ ص: 414 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية