الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثامن

        تحكير الوقف، والإجارتان، وبدل الخلو

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول

        تحكير الوقف

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: تعريف التحكير لغة واصطلاحا

        وفيها أمران:

        الأمر الأول: تعريف التحكير لغة :

        التحكير لغة : المنع، والحبس.

        قال ابن فارس : "الحاء والكاف والراء أصل واحد، وهو الحبس".

        وقال ابن منظور: "من شدة حكره: أي: من شدة احتباسه وتربصه" .

        وفي المصباح: "احتكر زيد الطعام إذا حبسه إرادة الغلاء".

        والجمع أحكار. [ ص: 102 ]

        وفي تاج العروس: "الحكر بالكسر ما يجعل على العقارات ويحبس".

        وفي المعجم الوسيط: "الحاكورة : أرض تحبس لزرع الأشجار قرب الدور، والحكر: العقار المحبوس".

        الأمر الثاني: تعريف التحكير في الاصطلاح :

        قيل : هو عقد إجارة يقصد بها استيفاء الأرض مقررة للبناء والغرس، أو لأحدهما.

        فالحكر حق قرار مرتب على الأرض الموقوفة بإجارة مديدة، وهي تعقد بإذن القاضي يدفع فيها المستحكر للوقف مبلغا معجلا يقارب قيمة الأرض الموقوفة، ويرتب مبلغ ضئيل يستوفى سنويا لجهة الوقف من المستحكر، أو ممن ينتقل إليه هذا الحق على أن يكون للمستحكر حق الغرس والبناء وسائر وجوه الانتفاع بتلك الأرض، وهذا الحق يتصرف فيه صاحبه تصرف الملاك فهو قابل للبيع والشراء والانتقال والإرث وغيره. [ ص: 103 ]

        ويطلق الحكر أيضا على العقار المحتكر نفسه، فيقال : هذا حكر فلان، كما يطلق على الأجرة المقررة على عقار محبوس في الإجارة الطويلة ونحوها.

        والمحكر هو ناظر الوقف أو مالك الأرض، والمستحكر هو مالك الأنقاض المتصرف بالعمار.

        العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

        أصل الحكر هو الماء المجتمع الذي يمنع صاحبه غيره من الانتفاع به ، وهذا المعنى نقل إلى الحكر - بالكسر . حيث يمنع المستحكر غيره من الانتفاع بالأرض المحكرة طوال مدة العقد .

        وقد ذكروا أن السبب من إنشاء هذا العقد هو تحقيق مصلحة الوقف; إذ يكون الحكر طريقا لاستثمار الأراضي الوقفية المعطلة.

        ويقول شاكر بك الحنبلي بعد أن ذكر المرصد والإجارتين والحكر وغيرها قال : "هذه هي الأحوال التي طرأت على الوقف الصحيح، وأخرجته عن وضعه بما ابتدعوه من طرق وأساليب غريبة وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان توصلا لامتلاك الوقف واستصفائه لأنفسهم; مما أدى إلى تدني الأوقاف ووصولها إلى الحالة الثانية التي نشاهدها اليوم من الخراب والفوضى".

        ويرى الشيخ مصطفى الزرقا أن الأحكار والإجارتين والمرصد وغيرها من حقوق القرار تعتبر أغلالا في أعناق الأوقاف، وقد سلبت معظم منافعها بأجور زهيدة في عهود اختل فيها ميزان الحكم، وسلطان القضاء . [ ص: 104 ]

        ونقل العدوي : جريان العرف بمصر على أن الأحكار مستمرة للأبد، وإن عين فيها وقت الإجارة مدة، فهم لا يقصدون خصوص تلك المدة ، والعرف كالشرط، فمن احتكر أرضا مدة ومضت فله أن يبقى وليس لمتولي أمر الوقف إخراجه .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية