الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: أن يتعدد الواقف والموقوف عليه :

        مثال ذلك: وقف زيد بيته على طلاب العلم، ووقف عمرو دكانه على مدرسة تحفيظ القرآن.

        وتحت هذه المسألة صورتان :

        الصورة الأولى : جمع مصارف المدارس جميعا، والمساجد جميعا، والفقراء جميعا، ونحو ذلك في مصرف واحد، ثم يصرف من هذا المصرف على كل واحد من أفراد هذه الجهة حسب احتياجه .

        والحكم في هذه الصورة ينبني على مسائل تقدمت :

        الأولى: حكم تغيير شرط الواقف. [ ص: 77 ]

        الثانية : حكم فاضل الوقف.

        الثالثة : حكم فاضل ريع الوقف .

        وقد تقدم بحث هذه المسائل.

        وقد جاء في المعيار المعرب ما يؤيد ذلك: "سئل سيدي أبو محمد عبد الله العبدوسي عن جمع أحباس فاس هل تجمع كلها نقطة واحدة وشيئا واحدا أم لا؟ فأجاب رحمه الله له بجواز جمعها وجعلها نقطة واحدة وشيئا لا تعدد فيه، وأن تجمع مستفادات ذلك كله ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة، ولو كانت بعض المساجد فقيرة فيوسع عليها من غنيها بحسب الحال، وقدم الجامع الأعظم قبل جميعها ثم الأعمر فالأعمر فرب غني في خلاء لا يلتفت إليه فتجاوز، أو يلتفت لكن حاله لا يقتضي زيادة على ضرورياته ، ورب مسجد آخر فقير بحيث يلتفت إليه ويكثر المنتابون إليه فيعتنى به، وكل ما يؤخذ من بعضها لبعض فإنه يعد سلفا لما عسى أن يحدث يوما من عمارة أو إعمار فيرد إليه ما يقيم أوده، وبالله التوفيق".

        وعليه فإن الشيخ لا يرى بأسا في خلط أوقاف المساجد كلها معا، ثم يصرف على كل واحدة منها حسب حاجتها واقتضاء المصلحة . ويقال مثل ذلك في الجهاد والمدارس . ولكن هل يمكن حمل كلامه على العموم كما أفاده ظاهر صيغة السؤال ويكون ذكره للمساجد، من قبيل المثال وليس الحصر؟ فيه احتمال بالنظر إلى الشمول في صيغة السؤال، وبالنظر إلى بداية الإجابة، ثم بالنظر إلى عموم القاعدة التي ينطلق منها هذا الفقيه وغيره من [ ص: 78 ] فقهاء المالكية والتي تقول: "ما كان لله يصرف بعضه في بعض" فكل هذه الأمور تجعل هذا الاحتمال واردا.

        وجاء في المعيار أيضا في سؤال وجه إلى الأستاذ أبي سعيد فرج بن لب مفاده: هل يجوز صرف الأحباس التي لا يعلم مصرفها في أبواب الخير؟ فأجاب : "إذا كانت الأحباس المعلومة المصرف قد قيل بجواز صرف فائدها - أي: فائضها . في غير مصرفها مما هو داخل في باب الخير وسبل البر فكيف بالأحباس التي لا يعلم مصرفها؟! وقع في نوازل ابن جابر ما نصه : خفف محمد بن إسحاق بن سليم في تصريف الأحباس بعضها في بعض.

        وقد فعل ذلك غيره من القضاة بقرطبة، وهو قول ابن حبيب في كتاب الحبس من واضحته وفي ذلك اختلاف، وذكر ابن سهل في نوازله نحو ذلك عن بعض الشيوخ: أنه لا حرج في صرف فوائد الأحباس بعضها في بعض، ولا بأس بما هو لله أن يصرف فيما هو لله ".

        وسئل ابن الماجشون عن أرض محبسة لدفن الموتى، وضاقت بأهلها فملؤوها ويدفنون في غيرها، وبجانبها مسجد ضاق بأهله فأرادوا أن يوسعوا فيه من المقبرة، فقال: ذلك جائز، وذلك حبس كله، لا بأس أن يصرف بعضه في بعض، ويقول ابن القاسم : فيما يرويه عنه أصبغ - في مقبرة عفت: لا بأس أن يبنى فيها مسجد، وكل ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض.

        وقال شيخ الإسلام: "يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، وإن اختلف ذلك باختلاف الزمان حتى لو وقف على الفقهاء والصوفية واحتاج الناس إلى الجهاد صرف إلى الجند ...". [ ص: 79 ]

        وجاء في فتاوى قاضي خان : "أن للناظر أن يصرف فائض الوقف إلى جهات بر بحسب ما يراه ... وشرط بعضهم لذلك إذن الحاكم".

        وفي كشاف القناع: "وما فضل عن حاجة المسجد من حصره وزيته ومغله وثمنها إذا بيعت جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج إليه ; لأنه صرف في نوع المعين، وجازت الصدقة بها على الفقراء ; لأنه في معنى المنقطع...

        وقال الشيخ - ابن تيمية - : يجوز صرف الفاضل في سائر المصالح".

        وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 140 في دورته الخامسة عشرة بمسقط ص14: "لا مانع شرعا من استثمار أموال الأوقاف المختلفة في وعاء استثماري واحد بما لا يخالف شرط الواقف على أن يحافظ على الذمم المستحقة للأوقاف عليها".

        التالي السابق


        الخدمات العلمية