الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الخامس

        استثمار الوقف في المرابحة للآمر بالشراء

        بيع المرابحة : حقيقته بيع السلعة بثمنها المعلوم بين المتعاقدين بربح معلوم بينهما، ويسمى أيضا (بيع السلم الحال) . والمراد هنا : بيع المرابحة للآمر بالشراء، وله صور :

        الصورة الأولى: وتنبني على التواعد غير الملزم بين الطرفين مع عدم ذكر مسبق لمقدار الربح.

        وصورتها : أن يرغب العميل شراء سلعة بعينها فيذهب إلى المصرف ويقول: اشتروا هذه البضاعة لأنفسكم ولي رغبة بشرائها بثمن مؤجل أو معجل بربح، أو سأربحكم فيها .

        للعلماء قولان:

        القول الأول : الجواز، وهو قول أكثر المتأخرين; وذلك لأنه ليس في هذه الصورة التزام بإتمام الوعد بالعقد أو بالتعويض عن الضرر لو هلكت السلعة فلا ضمان على العميل، فالبنك يخاطر بشراء السلعة لنفسه وهو على غير يقين من شراء العميل لها بربح، فلو عدل أحدهما عن رغبته ، فلا إلزام ولا يترتب عليه أي أثر، فهذه الدرجة من المخاطر هي التي جعلتها في حيز الجواز . [ ص: 157 ] وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (2، 3) بشأن الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء: "إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما قرر:

        أولا : أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعا هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه" .

        القول الثاني: عدم الجواز، وهو قول شيخنا ابن عثيمين .

        وحجته : أنه حيلة على الربا .

        الصورة الثانية : وتنبني على التواعد غير الملزم بين الطرفين مع ذكر مقدار ما سيبذله من ربح.

        وصورتها : أن يرغب العميل شراء سلعة معينة ذاتها أو جنسها، فيذهب إلى المصرف ويقول : اشتروا هذه السلعة لأنفسكم ولي رغبة بشرائها بثمن مؤجل أو معجل، وسأربحكم زيادة عن رأس المال : ألف ريال مثلا .

        فكلام ابن رشد أنها من العينة المحظورة ; لأنه رجل ازداد في سلفه.

        الصورة الثالثة : وتنبني على المواعدة الملزمة بالاتفاق بين الطرفين مع ذكر مقدار الربح.

        وصورتها : أن يرغب العميل شراء سلعة معينة ذاتها أو جنسها المنضبطة عينها بالوصف، فيذهب إلى المصرف، ويتفقان على أن يقوم المصرف ملتزما بشراء البضاعة من عقار أو آلات أو نحو ذلك، ويلتزم العميل بشرائها من [ ص: 158 ] المصرف بعد ذلك، ويلتزم المصرف ببيعها للعميل بثمن اتفقا عليه مقدارا وأجلا وربحا.

        فهذه حكمها البطلان والتحريم فهي آخية القرض بفائدة ; وذلك للأدلة الآتية :

        1- أن حقيقتها عقد بيع على سلعة مقدرة التملك للمصرف مربح قبل أن يملك المصرف السلعة ملكا حقيقيا، وتستقر في ملكه .

        2- عموم الأحاديث النبوية التي نصت على النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده .

        وبيع المرابحة للآمر بالشراء هو واحد من تلك الصيغ التي يمكن استثمار الوقف النقدي عن طريقها، وللحكم على استثمار الوقف بالمرابحة للآمر بالشراء لا بد من التقديم هنا ببيان معناها لدى الفقهاء.

        واستثمار الأوقاف في المرابحة للآمر بالشراء يراد به هنا أن يكون الوقف بإيراده هو من يقوم بعملية شراء السلع، ثم بيعها وفقا لعقد المرابحة ليفيد من هذه الزيادة المتفق عليه، فيكون هو الممول سواء لجهات حكومية أو خيرية أو تجارية. [ ص: 159 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية