الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الثامن

        حكم استبدال الناظر للوقف إذا شرط الواقف عدم استبداله عند القائلين بملكية الناظر له

        (أي: للاستبدال)

        لما كان قصد الواقف استمرار الانتفاع بالوقف حتى يستمر الأجر، فقد يدفعه هذا القصد إلى اشتراط عدم استبداله بغيره، فإذا فعل ذلك فهل يكون لهذا الشرط أثر بحيث يجب على الناظر التقيد به فلا يملك الاستبدال، أو لا؟.

        اختلف من قال من الفقهاء في المطالب السابقة بملكية الناظر لاستبدال [ ص: 57 ] الوقف في أثر اشتراط الواقف عدم الاستبدال إذا كانت العين الموقوفة في الحال التي أجازوا فيها استبدال الوقف، وذلك على قولين :

        القول الأول: أن الناظر يملك استبدال الوقف، ولا أثر للشرط.

        وبهذا قال جمهور الحنفية، والحنابلة.

        القول الثاني: أن الناظر لا يملك استبدال الوقف، بل يجب عليه اتباع الشرط.

        وبهذا قال بعض الحنفية.

        الأدلة :

        أدلة القول الأول

        استدل لهذا القول بما يلي:

        1- ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مئة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق".

        وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط، ولم يبطل العقد، فكذلك إذا شرط الواقف عدم استبدال الوقف بطل الشرط وصح الوقف، فلا يكون للشرط تأثير. [ ص: 58 ]

        ونوقش: بأنه قياس مع الفارق; لأن عقد الوقف عقد تبرع، وعقد البيع عقد معاوضة، فلا يصح قياس عقود التبرعات على عقود المعاوضات.

        2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية ...".

        وجه الاستدلال : حيث بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن مقصد الوقف الدوام والاستمرار، وشرط عدم استبدال الوقف لا فائدة فيه للوقف ولا مصلحة، بل فيه تعطيل له، فلا يقبل .

        3- حديث: "لا ضرر ولا ضرار"، وفي عدم استبدال الوقف عند تعطله ضرر.

        4- أن الأعيان الموقوفة إنما وقفت ليعود ريعها على مستحقيه جريا على مناهج المعروف، وطلبا لإيصال الريع إلى مستحقيه، فالمطلوب من ذلك وصول النماء إلى أهله ووقوعه في أيدي مستحقيه مع زيادته واستنمائه ، وفي اشتراط عدم الاستبدال عند الخراب تفويت للمصلحة على الوقف عليهم; إذ في الاستبدال عند المصلحة ضرورة ومنفعة للموقوف عليهم .

        أدلة القول الثاني: (يعمل بشرط الواقف عدم الاستبدال) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- الأدلة الدالة على صحة شرط الواقف، ووجوب العمل بها . [ ص: 59 ]

        ونوقش: بتسليم هذه الأدلة ما لم تخالف الشرع، وقد خالفت الشرع كما في أدلة القول الأول.

        2- أن شرط عدم الاستبدال فيه مصلحة للوقف، وهي تأبيده، فيصح الشرط، ولا يجوز الاستبدال معه.

        ونوقش: بأنه دليل عليهم لا لهم; لأن في التمسك بالعين الموقوفة في حالة الخراب إبطالا لغرض الواقف من دوام النفع، وفي تركها خربة يؤدي إلى ضياعها، بل ربما استيلاء الطامعين عليها مع مرور الوقت; لأن الغالب في العين الخربة ألا يتعاهدها الناظر مما يؤدي إلى نسيانها ثم الاستيلاء عليها، ولكن في استبدالها عند التعطل رعاية لغرض الواقف، واستبقاء الوقف عند تعذر إبقائه في صورته كما سبقت.

        الترجيح :

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بملكية الناظر لاستبدال الوقف، وعدم تأثير اشتراط الواقف عدم الاستبدال ; لقوة ما استدلوا به ، ولأن الوقف غالبا يراد للدوام والاستمرار وجريان الصدقة . [ ص: 60 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية