الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب السابع

        شروط استبدال الوقف عند القائلين بملكية الناظر له

        لما أجاز بعض الفقهاء استبدال الوقف قيدوه بشروط تقضي على السلبيات التي قد تحصل من عملية الاستبدال، والتي خوفا من وقوعها قال بعض الفقهاء : بعدم الجواز مطلقا، وقد اختلفوا في بيان تلك الشروط بناء على اختلافهم في مسوغات ذلك الاستبدال، وهي كما يلي:

        الشرط الأول: ألا يكون البيع بغبن فاحش.

        وهذا الشرط ذكره بعض الحنفية، ويظهر أنه موضع اتفاق بين العلماء، ومن لم ينص عليه ترك ذلك للعلم به.

        وأشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "مع الحاجة يجب إبدال الوقف [ ص: 53 ] بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه ، لظهور المصلحة... ولا يجوز أن يبدل الوقف بمثله ; لفوات التعيين بلا حاجة".

        الأدلة على هذا الشرط:

        1- قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، والوقف بيد الناظر كمال اليتيم بيد الوصي، فإذا كان مال اليتيم لا يباع بغبن فاحش ; لأنه قربان له بغير الأحسن، فكذا الوقف.

        2- أن القيم على الوقف بمنزلة الوكيل، فلا يملك البيع بغبن فاحش.

        3- أن القيم يختار لغيره - الوقف ، ومن كان خياره لغيره فخياره خيار مصلحة، وليس من المصلحة استبداله بغبن فاحش.

        الشرط الثاني: ألا يكون هناك ريع للوقف يعمر به.

        وبه قال بعض الحنفية، وبعض المالكية.

        القول الثاني: أنه يجوز الاستبدال بالعرصة بالرغم من إمكان حصول ريع منها بإجارتها ، وبه قال شيخ الإسلام ; لما يأتي من أن أصله جواز الاستبدال بظهور المصلحة وإن كانت تؤجر.

        الشرط الثالث: أن يكون البدل والمبدل من جنس واحد.

        وبه قال بعض الحنفية، وبعض الحنابلة . [ ص: 54 ]

        وحجته : أنه أقرب إلى قصد الواقف.

        القول الثاني : أنه لا يشترط أن يشترط أن يكون البدل من جنس الوقف الذي بيع، بل أي شيء اشتري بثمنه مما يدر على أهل الوقف جاز .

        وبه قال كثير من الحنابلة .

        وحجته :

        1- عموم أدلة الاستبدال التي سبقت قريبا .

        2- أن المقصود المنفعة لا الجنس، لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف فيها، حيث إنه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه، كما لا يجوز تغيير الوقف مع إمكان الانتفاع به .

        الشرط الرابع: ألا يستبد ناظر الوقف باستبداله، بل لابد في ذلك من إذن القاضي.

        وبهذا قال الحنفية، والمالكية، وبعض الحنابلة.

        قال المرداوي: "وهو قوي في النظر ".

        القول الثاني : أن ولاية استبدال الوقف للناظر الخاص عليه .

        وبهذا قال بعض الحنابلة. [ ص: 55 ]

        القول الثالث : أن ولاية استبدال الوقف إن كان على سبيل الخيرات فللقاضي وإلا فللناظر.

        وبهذا قال الحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (إذن القاضي) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- أن بيع الوقف واستبداله بيع على الغائبين، وهم البطون الذين يستحقونه بعد انقراض الموجودين، فلا يستقل به الناظر; لأن نظره قاصر على مدة حياته، بل لا بد من صدور الإذن ممن يملك النظر العام على جميع البطون وهو القاضي.

        2- أن بيع الوقف واستبداله فسخ لعقد لازم مختلف فيه اختلافا قويا ، فهو محل نظر واجتهاد، وهذا من وظيفة القاضي دون الناظر أو الموقوف عليه .

        أدلة القول الثاني: (أن ولاية الاستبدال للناظر الخاص) :

        يمكن الاستدلال لهذا القول بما يلي:

        1- أن ناظر الوقف الخاص هو المفوض لتصريف شؤون الوقف، فيدخل في ذلك استبداله ; لأنه من شؤونه .

        2- أنه قد يتعذر الوصول إلى القاضي الشرعي، أو يشق. [ ص: 56 ]

        دليل القول الثالث:

        أما استدلالهم لقولهم أن ولاية بيع الوقف للقاضي إذا كان على سبيل الخيرات: فلأن الجهة عامة، وللقاضي حق النظر العام.

        وأما قولهم بأن ولاية بيعه للناظر إذا لم يكن على سبيل الخيرات : فلأن الجهة خاصة، فتختص بالناظر.

        الترجيح :

        الذي يظهر رجحانه في هذا المسألة . والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن ولاية استبدال الوقف للقاضي; لقوة ما استدلوا به، ولأن في ذلك حفظا للأوقاف من الضياع.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية