الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثالث

        الإثبات بالنكول

        النكول في اللغة : الامتناع.

        يقال : نكل بفتح الكاف ينكل بضمها، ونكل عن اليمين : امتنع منها .

        وفي الاصطلاح : امتناع من توجهت إليه اليمين في مجلس القضاء عن الحلف .

        وقد اختلف العلماء بالقضاء في النكول، واعتبارها طريقا مثبتا للحق على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: إذا كان المدعى عليه عالما بالمدعى به دون المدعي قضي عليه بالنكول، وإن كان المدعي هو المنفرد بالعلم بالحال، أو كان مما لا يخفى عليه علمها ردت عليه اليمين، وإن كان كل منهما يدعي العلم أو طلب من المطلوب اليمين على نفي العلم فترد اليمين.

        وهذا قول عند الحنابلة اختاره شيخ الإسلام، وابن القيم .

        وحجته:

        قال ابن القيم: "ولما كانت أفهام الصحابة رضي الله عنهم فوق أفهام جميع الأمة ، وعلمهم بمقاصد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقواعد دينه وشرعه أتم من علم كل من جاء بعدهم عدلوا عن ذلك إلى غير هذه المواضع الثلاثة، وحكموا بالرد مع النكول في موضع، والنكول وحده في موضع، وهذا من كمال فهمهم وعلمهم بالجامع والفارق والحكم والمناسبات". [ ص: 472 ]

        القول الثاني : أنه يعتبر طريقا مثبتا للحكم.

        وبه قال الحنفية ، والحنابلة.

        حجته:

        1- حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه" فالنبي صلى الله عليه وسلم حصر اليمين في جانب المدعى عليه فلم تشرع لغيره.

        (303) 2- ما روى ابن عمر رضي الله عنهما : "أنه باع زيد بن ثابت عبدا فادعى عليه زيد أنه باعه إياه عالما بعيبه، فأنكره ابن عمر، فتحاكما إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر : احلف أنك ما علمت به عيبا، فأبي ابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد".

        3- ولأن اليمين بينة في المال فحكم فيها بالنكول، كما لو مات من لا وارث له، فوجد الإمام في دفتره دينا له على إنسان، فطالبه به فأنكره وطلب منه اليمين فأنكره، فإنه لا خلاف في أن اليمين لا ترد.

        القول الثالث : أن النكول لا يعتبر طريقا مثبتا للحق، بل لا بد من رد اليمين إلى خصمه .

        وبه قال المالكية ، والشافعية ، ورواية عند الحنابلة .

        وحجته:

        (304) 1- ما رواه الدارقطني من طريق محمد بن مسروق، عن إسحاق [ ص: 473 ] ابن الفرات، عن الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : "رد اليمين على طالب الحق".

        (305) 2- ما رواه البيهقي من طريق الشعبي: "أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر رضي الله عنه ، فقال : إني قد أقرضت المقداد سبعة آلاف درهم، فقال المقداد: إنما هي أربعة آلاف، فقال المقداد: أحلفه أنها سبعة آلاف، فقال عمر رضي الله عنه : أنصفك، فأبى أن يحلف، فقال عمر: خذ ما أعطاك".

        3- أنه إذا نكل ظهر صدق المدعي، وقوي جانبه، فتشرع اليمين في حقه كالمدعى عليه قبل نكوله، وكالمدعي إذا شهد له شاهد واحد.

        والأقرب : القول الأول; لما فيه من التفصيل الذي تجتمع فيه الأدلة . [ ص: 474 ]

        [ ص: 475 ] [ ص: 476 ] [ ص: 477 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية