الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث

        وجوب المهر بوطء الأمة الموقوفة

        اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في وجوب المهر بوطء الأمة الموقوفة على أقوال:

        القول الأول : عدم وجوب المهر بوطء الأمة الموقوفة .

        وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختاره شيخ الإسلام.

        إذ شيخ الإسلام لا يرى وجوب المهر للموطوءة زنى كرها، والمطاوعة من باب أولى .

        القول الثاني : وجوب المهر بوطء الأمة الموقوفة .

        وهو مذهب الحنابلة.

        جاء في الإنصاف: "لو وطئ الجارية الموقوفة، فلا حد عليه ولا مهر على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.

        قال الحارثي : ويتجه أن ينبني على الملك إن جعلناه له فلا حد، وإلا [ ص: 226 ] فعليه الحد، قال : وفي المغني وجه بوجوب الحد في وطء الموصى له بالمنفعة، قال : لأنه لا يملك إلا المنفعة فلزمه كالمستأجر".

        القول الثالث: إن كانت مطاوعة وجب المهر، وإلا لم يجب.

        وهو مذهب الشافعية.

        جاء في مغني المحتاج: "(وله) أي: الموقوف عليه (مهر) وطء (الجارية إذا وطئت بشبهة) أو زنى بها مكرهة أو غير مميزة (أو نكاح إن صححناه) أي : نكاحها (وهو الأصح) إذا زوجها الحاكم من غير الواقف والموقوف عليه، وأذن له الموقوف عليه ; لأنه من جملة الفوائد كالثمرة، ويحرم على الواقف والموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة .... وإذا وطئها الموقوف عليه لا يلزمه المهر ولا قيمة ولدها الحادث بتلفه أو بانعقاده حرا; لأن المهر ولد الموقوفة الحادث له، ويلزمه الحد حيث لا شبهة كالواقف ولا أثر لملكه المنفعة، وهذا هو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري في روضه.

        تنبيه : قول المصنف إن صححناه لا مفهوم له ; لأنه إذا لم يصح كان وطء شبهة وقد قال : إن المهر له في ذلك ، أما إذا زنى بها مطاوعة وهي مميزة فلا مهر لها " .

        القول الرابع: إن كان الواطئ الموقوف عليه لم يجب عليه المهر، وإلا وجب.

        وهو قول الحنفية .

        الأدلة:

        دليل القول الأول: (عدم وجوب المهر) :

        استدل لهذا الرأي بما يلي : [ ص: 227 ]

        (280) ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن".

        دليل القول الثاني: (وجوب المهر مطلقا) :

        استدل لهذا الرأي بما يلي:

        (281) ما رواه أحمد : حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى، أن ابن شهاب أخبره أن عروة أخبره أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها ، فنكاحها باطل - ثلاثا - ولها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا، فإن السلطان ولي من لا ولي له". [ ص: 228 ]

        [ ص: 229 ] ونوقش: بتخصيص الوطء المحرم; لما تقدم من دليل القول الأول.

        دليل القول الثالث: (وجوب المهر إن كانت مكرهة) :

        استدل لهذا الرأي :

        لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها : "ولها المهر بما استحل من فرجها" .

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن كون الأمة مكرهة أو مطاوعة لا تأثير; إذ المهر ليس من حقوقها، بل للموقوف عليه.

        دليل القول الرابع: (وجوب المهر إن كان الواطئ غير الموقوف عليه) :

        استدل لهذا الرأي: بما تقدم من الدليل على وجوب المهر، وخص من ذلك الموقوف عليه ; إذ هو المنتفع، والمهر سيصير إليه.

        الترجيح :

        الراجح - والله أعلم - القول الأول; إذ دليلهم نص في الموضوع . [ ص: 230 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية