الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني

        شروط الاستدانة على الوقف

        اشترط بعض الفقهاء للاستدانة على الوقف شروطا، وهي :

        الشرط الأول: أن تكون الاستدانة بإذن القاضي أو نائبه :

        وقد اختلف الفقهاء في اشتراط هذا الشرط على أقوال:

        القول الأول : أنه يشترط إذن القاضي مع عدم العذر، ويسقط مع العذر والمشقة.

        وبه قال بعض الحنفية .

        القول الثاني: أن هذا الشرط معتبر، فلا يملك الناظر الاستدانة على الوقف إلا بإذن القاضي أو نائبه .

        وبهذا قال من أجاز الاستدانة على الوقف من الحنفية ، وبه قال بعض الشافعية .

        القول الثالث: أن هذا الشرط غير معتبر، فيملك الناظر الاستدانة على الوقف بدون إذن القاضي أو نائبه . [ ص: 91 ]

        وبهذا قال المالكية، وبعض الشافعية ، وبه قال الحنابلة .

        الأدلة:

        دليل القول الأول: لما في استئذانه من مشقة، وتفويت مصلحة الوقف:

        أدلة القول الثاني: (اشتراط الإذن) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- أن في الاستدانة على الوقف إثبات دين في رقبته متعلق بسائر البطون، فلا يستقل به الناظر; لأنه ليس له النظر إلا مدة حياته فقط، فاحتيج إلى إذن له ممن له النظر العام على الجميع، وهو القاضي .

        2- أن الاستدانة على الوقف محل نظر واجتهاد، وهذا من وظيفة القاضي دون الناظر.

        3- في الاشتراط صيانة للوقف، وحفظ لحق الموقوف عليهم، وحذر من فساد بعض أهل الزمان، وقلة الأمانة.

        4 - وتقدير المصلحة إلى الاستدانة ونحوها من أنواع الاستثمارات تحتاج إلى نظر وتأمل، والقاضي أولى بتقدير ذلك، لاسيما وهو يستعين بأهل الخبرة والنظر. [ ص: 92 ]

        أدلة القول الثالث: (عدم اشتراط الإذن) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- أن لولي اليتيم الحق بالاقتراض له . أي : لليتيم - بدون إذن القاضي، فكذلك ناظر الوقف قياسا عليه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه قياس مع الفارق، حيث قال ابن حجر الهيثمي: "إنه يضيق في الناظر ما لا يضيق في ولي اليتيم، ومن ثم جرى خلاف في الفسخ بالزيادة على ما أجر به أثناء المدة، ولم يجز نظير ذلك في إيجار ولي اليتيم".

        كما أن في استدانة ولي اليتيم إثبات دين متعلق بمن هو ولي عليه فقط : فله أن يستقل به، بخلاف الاستدانة على الوقف، ففيها إثبات دين في رقبة الوقف متعلق بسائر البطون، فلا يستقل به ; لأنه ليس له النظر إلا مدة حياته .

        2- أن ناظر الوقف مؤتمن مطلق التصرف، فالإذن والائتمان ثابتان .

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا شك أن الناظر مؤتمن، ولكنه ليس مطلق التصرف، فمتى اتضح فساد تصرفه لم ينفذ، فلهذا لو تصرف في الوقف أو منفعته تصرفا يقصد من ورائه مصلحة لنفسه أو ولده لم يصح منه ، وكذا لو استدان له من غير حاجة، ونحو ذلك.

        فاشتراط الإذن لا يخالف ما تقرر من أمانة الناظر، وهو يتفق مع مصلحة الوقف، فوجب الأخذ به. [ ص: 93 ]

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل; لقوة ما استدلوا به، وعلى هذا تجوز الاستدانة بضوابط :

        وقد جاء في قرارات وفتاوى وتوصيات منتدى قضايا الوقف الفقهية الأول بعد بحثه لموضوع ديون الوقف ما نصه : "الأصل جواز الاستدانة للوقف ما دامت تحقق مصلحة معتبرة للوقف"، وقد أكد القرار على إذن القاضي أو الواقف، ووجود الحاجة، وترتيب آلية رد الدين، وأن تكون الاستدانة في حدود ريع الوقف وغلته، وأن تكون الاستدانة بالطرق المشروعة.

        ويؤكد هنا على أن القول بمشروعية الاستدانة معلق بتحقق المصلحة وظهورها، ومن ذلك أن تكون الاستدانة لأمر يعود بالنفع على الوقف، وأن لا يمكن سد حاجات الوقف من ذاته .

        وقد تحتاج بعض صور تثمير الأوقاف للاستدانة لتمويل مشاريعها ، فينظر حينئذ في ذلك من خلال ما تظهره دراسات الجدوى وغيرها مما يكشف أهمية الاستدانة وعائدها المرجو على الأوقاف ; إذ الذي يظهر أن مشروعية مثل هذا التصرف تدور مع المصلحة وجودا وعدما، فمتى تبينت مصلحة الوقف وظهرت قيل بمشروعية الاستدانة، لاسيما وأن التمويل هو أهم عناصر العملية الاستثمارية، ومن النادر إمكان الاستدانة من خلال القرض الحسن - إلا من مقرض يرجو وجه الله تعالى في إقراض الوقف ذي المصرف الخيري - لذا كانت الاستفادة منه فيما يخدم الأوقاف، ويحقق مصلحتها مشروعة.

        ومن الضوابط: "لا يقبل من الناظر دعوى الإذن بالاستدانة إلا ببينة" . [ ص: 94 ]

        الشرط الثاني: أن يكون في الاستدانة مصلحة متحققة للوقف، كقيام الحاجة إلى الاستدانة لعمارته، أو نحو ذلك :

        وهذا اشترطه كل من قال من الفقهاء بملكية الناظر للاستدانة على الوقف، وهم:

        أكثر الحنفية، وبه قال المالكية، والشافعية ، والحنابلة .

        الشرط الثالث: أن لا يكون للوقف غلة، فإن كان له غلة، فلا تجوز الاستدانة عليه; لأنه لا ضرورة إلى الاستدانة ; لأن الغلة تباع ويؤدى منها ما يحتاج إليه الوقف.

        الشرط الرابع: أن لا تكون العين الموقوفة قابلة للإجارة، فإذا كانت كذلك وأمكنت إجارتها، سواء كانت إجارة قصيرة أم طويلة فإنه لا يستدين، حيث إن مصلحة الوقف تقتضي عدم الاستدانة ; لأن عمارته أمكنت دونها .

        الشرط الخامس: أن لا يكون المقصد من الاستدانة مصلحة الموقوف عليه دون عين الوقف; ولهذا لا تجوز الاستدانة من أجل الصرف للمستحقين، يستثنى من ذلك إذا كان الصرف لهم ضرورة مصالح الوقف كالصرف للإمام أو نائبه . [ ص: 95 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية