المطلب الثالث
إعارة الناظر إذا كان هو الموقوف عليه للوقف
الإعارة لا يملكها إلا الموقوف عليه; لأنه هو المستحق للمنفعة، أما الناظر فلا يملكها إلا إذا كان هو المستحق للمنفعة - أي: الموقوف عليه - . وإذا تبين هذا فإنه قد اختلف الفقهاء في إذا كان الناظر هو الموقوف عليه على ثلاثة أقوال: ملكية الناظر لإعارة الوقف
القول الأول: أن الناظر يملك إعارة الوقف إذا لم يقيد الواقف حق الموقوف عليه بالانتفاع دون المنفعة، أو نحو ذلك .
وبهذا قال المالكية، وأكثر الشافعية.
وبه قال الحنابلة ، قال ابن مفلح عند قول : (ويملك الموقوف عليه الوقف، ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه) : "ويستوفيه بنفسه وبالإجارة والإعارة ونحوها إلا أن يعين في الوقف غير ذلك" . ابن قدامة
القول الثاني: أن الناظر يملك إعارة الوقف مطلقا . [ ص: 186 ]
وبهذا قال بعض الحنفية.
القول الثالث: أن الناظر لا يملك إعارة الوقف مطلقا .
وبهذا قال بعض الحنفية، وبعض الشافعية .
الأدلة:
دليل القول الأول:
يمكن الاستدلال لأصحاب هذا القول بما يلي:
أن الناظر إذا كان هو الموقوف عليه أو من الموقوف عليهم فهو مالك لمنفعة الوقف أو لمنفعة جزء منه، فله أن يستوفيها بنفسه أو بنائبه عن طريق الإعارة.
دليل القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
القياس على ضيافة الضيف; وذلك أن العارية لا توجبه حقا للمستعير ، بل تجعله بمنزلة الضيف .
ونوقش من وجهين :
الوجه الأول : أنه قياس مع الفارق; لأن الضيافة مدتها يسيرة فجرت العادة بالمسامحة فيها لذلك، بخلاف العارية فإن مدتها قد تطول.
الوجه الثاني : أن العارية قد توجب أحيانا حقا للمستعير ، كما إذا أذن المعير للمستعير أن يشغل العارية بشيء يتضرر المستعير برجوعه فيه مثل أن يعيره سفينة لحمل متاع عليها ، فلا يحق له الرجوع ما دامت في لجة البحر. [ ص: 187 ]
دليل القول الثالث:
أن الإعارة تقتضي الملك للمعير، والوقف لا ملك لأحد عليه.
ونوقش: بأن الإعارة لا تقتضي ملك العين، بل ملك المنفعة; لأنها إباحة للانتفاع، لا تمليك للعين، وناظر الوقف إذا كان مستحقا لهذه المنفعة لكونه هو الموقوف عليه، أو من الموقوف عليهم فهو مالك لمنفعة الوقف، فيملك تمكين غيره من الانتفاع بالإعارة.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول لقوة دليله.