الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الخامس

        صرف شيء من مال الوقف لتخليص العين

        المغصوبة الموقوفة من غاصبها


        إذا غصب العين الموقوفة غاصب من ذوي الشوكة والسلطان، ولم يجد ناظر الوقف بدا من صرف شيء من المال لاستخلاص تلك العين كان عمله مشروعا، ورجع بما صرف على مال الوقف، وذلك كأن يؤاجر محاميا بمبلغ من المال، أو بدفع شيء من المال لمن له صلة بالغصب كي يؤثر عليه ويعيد الوقف، أو يدفع لمن له نفوذ وغلبة على الغاصب ولا يخلصها منه إلا بمال، أو للشخص الغاصب إذا رضي أن يعيد العين الموقوفة ببعض المال، وذلك دفعا لأعظم الضررين بأخفهما، فكونه يفقد بعض مال الوقف أولى من كونه يفقد الوقف كله، ولذلك أجاب خير الدين العليمي الرملي الحنفي في ناظر وقف غرم لقضاة العهد ما لا بد منه في انتزاعه من يد أهل الشوكة بأن له أخذ ما غرمه من ارتفاعات الوقف وقال: "للقيم صرف شيء من مال الوقف إلى كتب الفتوى ومحاضر الدعوى لاستخلاص الوقف من أيدي ذوي الشوكة" .

        وجعل الرملي الحنفي ذلك مبررا للاستدانة على الوقف فقال: "إذا [ ص: 213 ] غصب الأرض غاصب وعجز عن استردادها إلا بمال، فله الاستدانة بالشرط المذكور للضرورة".

        بل ذكر الحنفية أن للقيم أن يأخذ قيمة الوقف من غاصبه إذا رفض أن يعيده وعجز الناظر عن استرداده للقاعدة السابقة، ولأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فيأخذ القيمة ويشتري بها وقفا آخر يكون بدل الوقف المغصوب وعلى وجهته ، ولذلك قال قاضيخان : "وقف استولى عليه غاصب وحال بينه وبين المتولي وعجز المتولي عن الاسترداد، وأراد الغاصب أن يدفع قيمتها كان للمتولي أن يأخذ القيمة، أو يصالحه على شيء، ثم يشتري بالمأخوذ من الغاصب أرضا أخرى فيجعلها وقفا على شرائط الأول; لأن الغاصب إذا جحد الغصب يصير بمنزلة المستهلك فيجوز أخذ القيمة".

        بل ذهب كثير من العلماء إلى أبعد من ذلك، فأجازوا للناظر أن يدفع شيئا من مال الوقف بمجرد خوفه عليه من استيلاء الظلمة بشرط أن يصل هذا الخوف إلى درجة غلبة الظن.

        قال المناوي الشافعي: "لو خاف الناظر أن يستولي على مال الوقف غاصب فله أن يؤدي لتخليصه".

        وفي مغني المحتاج: "ولو خاف الولي استيلاء ظالم على مال اليتيم، فله بذل بعضه لتخليصه وجوبا، ويستأنس له بخرق السيد الخضر السفينة".

        وقد أخذ هذا الحكم من قول النووي: "لو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال، فله أن يؤدي شيئا لتخليصه". [ ص: 214 ]

        والله يعلم المفسد من المصلح .

        ولكن يجب على الناظر أن يحاول استخلاص العين الموقوفة بأقل مبلغ ممكن، حيث إن هذا موكول إلى ذمته، وهو مصدق بادعائه إذا عرف عن الغاصب تجرؤه على أموال الناس. [ ص: 215 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية