المطلب الخامس
سرقة الوقف
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: العام : سرقة الوقف
إذا كان هناك وقف على جهة عامة كالفقراء، والغزاة، ونحو ذلك، فسرق من ذلك المال، فلا يخلو من حالتين :
الحال الأولى: أن يسرق أجنبي من هذا الوقف :
مثال ذلك : سرق غني من مال حبس على الفقراء، فإنه يقطع إذا توفرت شروط السرقة من حرز وغيره; لعموم أدلة القطع بالسرقة الآتية . [ ص: 245 ]
الحال الثانية: أن يسرق غير الأجنبي من هذا الوقف:
مثال ذلك : سرق فقير من مال حبس على الفقراء، أو مسلم من مال حبس على مصالح المسلمين، ونحو ذلك.
فاختلف العلماء في قطعه على قولين :
القول الأول: أنه يقطع إلا إن كان نصيبه محدودا معروف المقدار كالغنيمة، أو ما اشترك فيه ببيع أو ميراث أو غير ذلك .... فإن أخذ زائدا على نصيبه مما يجب في مثله القطع قطع، فإن سرق أقل فلا قطع عليه إلا أن يكون منع حقه في ذلك، أو احتاج إليه فلم يصل إلى أخذ حقه إلا بما فعل، ولا قدر على أخذ حقه خالصا فلا يقطع، وإنما عليه أن يرد الزائد على حقه فقط ; لأنه مضطر إلى أخذ ما أخذ.
وهو قول ابن حزم.
القول الثاني : أنه لا يقطع .
وهو قول جمهور أهل العلم، ونص الشافعية على عدم القطع ولو كان ذميا ; لأنه تبع للمسلمين .
الأدلة:
دليل القول الأول: (القطع) :
أولا : دليله على وجوب القطع مطلقا : أدلة القطع في السرقة .
قال "فلما لم نجد في المنع من قطع من سرق من المغنم، أو [ ص: 246 ] من الخمس، أو من بيت المال حجة أصلا لا من قرآن ولا سنة ولا إجماع". ابن حزم:
ثانيا: دليله على عدم القطع إذا سرق من شيء له فيه نصيب : أنه إذا سرق قدر حقه فأقل فلا قطع ; لكونه أخذ حقه.
وإن سرق أزيد من حقه قطع ; لكونه أخذ شيئا لا يملكه .
وإن أخذ الزائد في حال منع حقه لم يقطع; لاضطراره إلى تخليص حقه .
دليل القول الثاني:
استدل لهذا الرأي : بالأدلة الدالة على درء الحدود بالشبهات ، والسارق له حق في المال الموقوف، فيكون شبهة تدرأ الحد.
ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم بأن سرقة أحد أفراد الموقوف عليهم شبهة تدرأ الحد; لعدم تميز ملكه.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - القول بقطع السارق من الوقف العام ; لقوة دليله .