الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        وفيه مطالب:

        المطلب الأول

        عزل الناظر نفسه

        قد يعزل ناظر الوقف نفسه عن النظارة; لعدم تفرغه، أو لعدم قدرته لكبر أو مرض، أو لغير ذلك، فهل يملك ذلك بنفسه ، أو لا بد من إبلاغ القاضي به؟ .

        اختلف الفقهاء في هذا على ثلاثة أقوال:

        القول الأول : أن الناظر لا ينعزل بعزله نفسه حتى يبلغ القاضي بذلك .

        وبه قال الحنفية.

        القول الثاني : أن للناظر الحق في عزل نفسه عن نظارة الوقف، وينعزل بذلك.

        وبه قال المالكية، وكثير من الشافعية، وهو ظاهر قول الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. [ ص: 416 ]

        جاء في الاختيارات: "ومن شرط النظر لرجل ثم لغيره إن مات فعزل نفسه ، أو فسق، فكموته ".

        القول الثالث: أن ناظر الوقف لا ينعزل بعزله نفسه إذا كان نظره بشرط الواقف.

        وقالوا: إنه رغم أنه لا ينعزل بعزله نفسه لكنه لا يجب عليه النظر، ولا يجبر عليه .

        وهذا هو مقتضى كلام ابن رشد من المالكية ، حيث قال: "عزل الوصي نفسه عن النظر لليتيم الذي التزم النظر له، فليس ذلك له إلا من عذر".

        وبه قال بعض الشافعية .

        الأدلة :

        أدلة القول الأول: (لا ينعزل حتى يبلغ القاضي) :

        1- قوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل .

        وناظر الوقف محسن، فلا سبيل عليه إن أراد عزل نفسه ; إذ إلزامه بالنظر مع عدم رغبته ضرر عليه.

        2- أن كل من ملك شيئا له أن يخرجه عن ملكه عينا كان، أو منفعة، أو دينا، والنظر حق من حقوق الناظر، فيتمكن من إسقاطه.

        3- أن فيه ضررا على الوقف; إذ إلزام الناظر بالنظر مع عدم رغبته قد يدفعه ذلك إلى التقصير في النظر، وعدم القيام بالواجب.

        4- أنه لما كان احتمال الضرر واردا على الوقف وجب أن يطلع القاضي [ ص: 417 ] على الاستقالة ليتلافى الضرر; لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا ضرر ولا ضرار".

        أدلة القول الثاني: (له الحق في عزل نفسه) :

        استدلوا على ما ذهبوا إليه :

        1- بالقياس ، فقاسوا عزل ناظر الوقف نفسه على عزل الوصي نفسه ، فإذا جاز للوصي أن يعزل نفسه عن الوصايا ، فكذلك ناظر الوقف .

        2- أن كل من ملك شيئا له أن يخرجه عن ملكه عينا كان، أو منفعة، أو دينا .

        ونوقش هذا الاستدلال : بأنه لا يعارض القول الأول، بل هو مما يؤيده ; وذلك أنهم قاسوا عزل ناظر الوقف نفسه على عزل الوصي نفسه ، والوصي لا ينفذ عزل نفسه إذا كان في ذلك ضرر بين على الموصى عليه ، فكذلك الوقف، ولذلك استثناه النووي من صحة عزل الوصي نفسه حالة غلبة ظنه تلف المال باستيلاء ظالم.

        دليل القول الثالث: (لا يملك عزل نفسه إذا كان نظره بشرط الواقف) :

        أن استحقاق الناظر النظر بالشرط كاستحقاق الموقوف عليه الغلة، والموقوف عليه لو أسقط حقه من الغلة لم يسقط، فكذلك إسقاط النظر.

        ونوقش هذا الاستدلال : بأنه قياس مع الفارق ; إذ إن استحقاق الناظر النظر بالشرط ليس كاستحقاق الموقوف عليه الغلة، ولذلك لو ظهر من الناظر بالشرط أنه استعمل هذا الحق للإضرار بالوقف شرع عزله، في حين لو [ ص: 418 ] استعمل الموقوف عليه حقه بالإضرار على الوقف لم يمنع حقه، ويمنع من الإضرار بالوقف.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول; لأن ذلك يمنع الضرر عن الناظر وعن الوقف، حيث إنه إذا أبلغ القاضي بذلك قطع الضرر الذي قد يلحق بالوقف ; لأن القاضي هو الناظر العام للأوقاف .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية