الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الفصل الثالث

        تعليق الوقف في مرض الموت [ ص: 332 ] [ ص: 333 ] الفصل الثالث

        تعليق الوقف في مرض الموت

        إذا علق الشخص الوقف على موته، فقال مثلا : إذا مت فداري وقف على الفقراء، فقد اختلف الفقهاء في صحة قوله وعدم صحته على قولين:

        القول الأول: أنه يصح قوله، ويكون وصية، بمعنى أنه يجري فيه حكم الوصية من كل وجه، فيجوز له أن يرجع عنه ما دام حيا، وأن يبيعه ويرهنه، وغير ذلك من وجوه التصرف، بخلاف ما هو معلق على شرط فلا يجوز الرجوع عنه ، وإن مات من غير رجوع لزمه ويعتبر من الثلث.

        وإلى هذا القول ذهب الحنفية في المعتمد من مذهبهم، وبه قال المالكية، والشافعية ، وهو قول عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية، [ ص: 334 ] والصحة هو مذهب الحنابلة، إلا أن الحنابلة يرون أنه يأخذ حكم الوصية بحيث ينفذ من الثلث إلا أنه لا يملك الرجوع فيه، وابن القيم.

        القول الثاني : أنه لا يصح.

        وهو قول أبي حنيفة، وقول عند الحنابلة، قاله أبو الخطاب ، والقاضي أبو يعلى.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني؟ فقال : "إن شئت حبست أصلها ، وتصدقت بها"، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه.

        ثم إن عمر رضي الله عنه وصى فكان في وصيته: هذا ما أوصى به عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا ... تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو [ ص: 335 ] الرأي من أهلها أن يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل، أو اشترى رقيقا منه .

        وجه الدلالة : أن وقف عمر رضي الله عنه كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اشتهر بين الصحابة ، فلم ينكر، وكان إجماعا .

        2- أن تعليق الوقف بالموت لا يتعلق بالخطر .

        3- القياس على الهبة، فكما أنه يصح تعليقها بالموت فكذلك الوقف، بجامع أنهما تبرعان معلقان بالموت.

        4- أنها صدقة معلقة بالموت فأشبهت غير الوقف.

        دليل القول الثاني:

        أن تعليق الوقف بالموت، تعليق له على شرط، وتعليقه على شرط في الحياة لا يجوز.

        نوقش: بأن قياس تعليق الوقف بالموت على تعليقه بشرط في الحياة مع الفارق; لأنه عند تعليقه بالموت صار وصية، والوصية أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم والحمل وغير ذلك . [ ص: 336 ]

        الترجيح :

        يترجح - والله أعلم بالصواب - القول الأول; لقوة دليله، وخصوصا ما ورد عن عمر رضي الله عنه ، ولما ورد على القول الثاني من مناقشة . [ ص: 337 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية