الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3145 3146 3147 ص: وقالوا : هذا الذي كان يغتسل به رسول الله - عليه السلام - هو صاع ونصف وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، قال : ثنا زائدة ، عن جعفر بن برقان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : " كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد وهو الفرق " .

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : "كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد من قدح يقال له : الفرق " .

                                                [ ص: 237 ] حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، قال : ثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن شهاب . . . فذكر بإسناده نحوه .

                                                قالوا : فلما ثبت بهذا الحديث الذي روي عن عائشة : أن رسول الله - عليه السلام - كان يغتسل هو وهي من الفرق ، والفرق ثلاثة أصوع ، كأن ما يغتسل به كل واحد منهما صاعا ونصفا .

                                                فإذا كان ذلك ثمانية أرطال كان الصاع ثلثها ، وهو خمسة أرطال وثلث . وهذا قول أهل المدينة أيضا .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قال هؤلاء الآخرون : هذا بيان استدلالهم لما قالوا : وزن الصاع خمسة أرطال وثلث رطل ، تقريره أن الإناء الذي كان يغتسل به رسول الله - عليه السلام - كانت صاعا ونصفا ; لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد وهو الفرق ، والفرق ثلاثة أصوع ، فحينئذ يكون ما اغتسل به كل واحد منهما صاعا ونصفا ، فإذا كان المذكور في رواية مجاهد عن عائشة : ثمانية أرطال ، يكون الصاع ثلث الفرق وهو خمسة أرطال وثلث ; لأن الفرق ستة عشر رطلا ، وهي ثلاثة أصوع ، وثلث ستة عشر ، خمسة وثلث .

                                                ثم الفرق -بفتح الفاء والراء وبإسكانها- أيضا لغتان والفتح أفصح وأشهر ، وزعم الباجي أنه الصواب ، وليس كما زعم ، بل هما لغتان .

                                                وقال ابن الأثير : الفرق بالتحريك : مكيال يسع ستة عشر رطلا ، وهي اثني عشر مدا ، وثلاثة أصوع عند أهل الحجاز ، وقيل : الفرق خمسة أقساط ، والقسط نصف صاع ، فأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلا ، وقال أصحابنا في كتب الفقه : الفرق ستة وثلاثون رطلا ، وكذا ذكره صاحب "الهداية " ثم علله بقوله : لأنه أقصى ما يقدر به .

                                                وقال القاضي : قال أحمد بن يحيى : الفرق اثني عشر مدا ، وقال أبو الهيثم : هو إناء يأخذ ستة عشر رطلا ، وذلك ثلاثة آصع ، وكذلك فسره سفيان في كتاب مسلم

                                                [ ص: 238 ] أنه ثلاثة آصع ، وحكي عن أبي زيد أنه إناء يسع أربعة أرباع ، وقال غيره : هو إناء ضخم من مكاييل أهل العراق .

                                                قلت : فعل هذا لم يتقرر الفرق على ستة عشر رطلا ، فلم يكن ثلاثة أصوع ، ولا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا ، فحينئذ لم يتم استدلالهم بما ذكروه ، فافهم .

                                                ثم إنه أخرج حديث عائشة من ثلاثة طرق صحاح :

                                                الأول : عن فهد بن سليمان ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري وأبي داود ، عن زائدة بن قدامة ، عن جعفر بن برقان الكلابي الجزري ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : "أن رسول الله - عليه السلام - كان يغتسل من إناء -وهو الفرق- من الجنابة " .

                                                قال معمر : عن الزهري في الحديث قالت : "كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحد . فيه قدر الفرق " .

                                                وأخرجه مسلم نحوه .

                                                الثاني : عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني ، عن أسد بن موسى ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا آدم بن أبي إياس ، قال : ثنا ابن أبي ذئب . . . إلى آخره نحوه سواء .

                                                [ ص: 239 ] الثالث : عن صالح بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد القرشي المقرئ القصير شيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن محمد بن مسلم الزهري . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه النسائي : أنا قتيبة ، قال : ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : "كان رسول الله - عليه السلام - يغتسل في القدح هو الفرق ، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد " .

                                                قوله : "من إناء واحد ، من قدح " كلمة "من " في قوله : "من إناء " لبيان الجنس ، والتي في قوله : "من قدح " لبيان النوع ، وليس المراد أنه كان يغتسل بملء الفرق ، بدليل الحديث الآخر : "كان يغتسل بالصاع " .

                                                واعلم أن العلماء أجمعوا على أن الماء الذي يجزئ في الغسل والوضوء غير مقدر ، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على الأعضاء ; لأن الغسل هو الإسالة ، فإذا لم يسل يصير مسحا ، وذا لا يجوز ، وقال الشافعي : وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي . وقالوا : المستحب أن لا ينقص في الغسل عن صاع ، ولا في الوضوء عن مد .

                                                وأجمعوا أيضا على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر .

                                                ثم الأظهر أنه كراهة تنزيه لا تحريم ، خلافا لبعض الشافعية .




                                                الخدمات العلمية