الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب السابع

        الجهة التي يجب فيها أرش الجناية

        إذا كانت جناية العبد الموقوف تتعلق بالمال سواء كانت موجبة للمال أصلا، أو كانت موجبة للقصاص فعفا المجني عليه على مال فللعلماء أقوال:

        القول الأول : أن أرش جناية عبد الوقف يكون في كسبه .

        وهذا قول للحنفية ، وقال به بعض الشافعية ، وهو قول للحنابلة.

        القول الثاني : أن أرش جناية عبد الوقف يكون على الموقوف عليه إن كان معينا، وإن كان غير معين ففي كسبه .

        وهذا القول هو المذهب عند الحنابلة، وقال به بعض الشافعية . [ ص: 257 ]

        القول الثالث : يجب على المتولي أن يختار ما هو الأصلح من دفع العبد الموقوف للمجني عليه أو فدائه .

        وبه قال بعض الحنفية.

        القول الرابع : أن أرش جناية عبد الوقف يكون في بيت المال.

        وهذا القول قال به بعض الشافعية ، وبعض الحنابلة.

        القول الخامس: أن أرش جناية عبد الوقف يكون على الواقف.

        وقال بهذا القول جمع من الشافعية ، وقال به بعض الحنابلة.

        الأدلة:

        دليل القول الأول:

        القياس على جناية الحر، فإنها تجب في ماله وكذلك الموقوف تجب في كسبه، لأنه لا يمكن تعلقها برقبته لامتناع بيعه، ولا يمكن تعلقها بالموقوف عليه ; لأن الراجح أنه لا يملكه .

        دليل القول الثاني:

        قياس الموقوف عليه على سيد أم الولد بجامع أن كلا منهما مالك لعين تعلق أرش جنايتها برقبتها، فكان على مالكها وهو هنا الموقوف عليه. [ ص: 258 ]

        ونوقش هذا الدليل من وجهين :

        الوجه الأول: أنا لا نسلم بأن الموقوف عليه مالك للعين الموقوفة، فقد سبق أن الراجح أن ملكية العين بعد وقفها تتنقل إلى الله تعالى، فلا يكون لها مالك من الآدميين.

        الوجه الثاني: أنه حتى لو فرض أن الموقوف عليه مالك للعين الموقوفة ، فإن هذا القياس قياس مع الفارق، فإن سيد أم الولد لا يشاركه أحد في ملكيتها، ويملك بدلها إذا جني عليها ملكا تاما يبيح له سائر التصرفات المشروعة للملاك، بخلاف الموقوف عليه فإنه يشاركه غيره من البطون الأخرى في ملكية الوقف، ولا يملك بدله إذا جني عليه، بل يكون وقفا مكانه رعاية للبطون الأخرى.

        دليل القول الثالث:

        قياس العبد الموقوف الجاني على العبد الطلق الجاني.

        ونوقش: بأن قياس العبد الموقوف على الطلق قياس مع الفارق، حيث إن العبد الطلق يجوز بيعه وشراؤه، والمبادلة به، بخلاف العبد الموقوف، فلا يجوز بيعه ولا المبادلة به .

        دليل القول الرابع:

        قياس أرش عبد الوقف على أرش جناية الحر المعسر في وجوبها من بيت المال.

        ونوقش: أن هذا الدليل ضعيف جدا، فإن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها، وجناية العبد لا تحملها العاقلة . [ ص: 259 ]

        دليل القول الخامس:

        أنه متسبب إلى منع العبد من البيع لوقفه إياه، فكان ذلك موجبا للفداء عليه قياسا على إيجاب فداء المستولدة الجانية على مستولدها لتسببه منع بيعها.

        ونوقش: أن إيجاب الفداء على الواقف بسبب وقفه عقاب على الإحسان، فهو مناف لقوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ، وإن قياس وقفه على استيلاد الأمة قياس مع الفارق، فهذا الواقف أراد الإحسان المحض وذاك المستولد أراد الاستمتاع وحظ نفسه، ثم إن المستولد مالك لمستولدته مالك لمنفعته مالك لبدلها فيما لو جنى عليها بخلاف الواقف لا يملك شيئا من ذلك.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - وجوب الأرش في كسب العبد الموقوف; إذ لا يمكن تعلق الجناية برقبته لعدم بيعه، كما أن أرش جنايته كنفقة عمارته، ونفقة العمارة تكون في الغلة . [ ص: 260 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية