الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        الفصل الثاني

        أقسام الولاية على الوقف

        وفيه مباحث:

        المبحث الأول: ولاية الواقف على الوقف.

        المبحث الثاني: ولاية الموقوف عليه على الوقف .

        المبحث الثالث: ولاية الحاكم على الوقف.

        المبحث الرابع : التوكيل في ولاية الوقف.

        المبحث الخامس: تنازل الناظر عن ولاية الوقف .

        المبحث السادس: تعدد النظار. [ ص: 362 ]

        [ ص: 363 ] المبحث الأول : ولاية الواقف على الوقف

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول

        ملكية الواقف ولاية الوقف بلا شرط

        اختلف الفقهاء في ثبوت حق الواقف في الولاية على وقفه بلا شرط منه ، وذلك على قولين :

        القول الأول: أن للواقف حق النظر على الوقف.

        وهذا هو المذهب عند الحنفية، وبه قال المالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة.

        القول الثاني: أنه ليس للواقف حق النظر على الوقف.

        وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن من أصحابه، وهو المذهب [ ص: 364 ] عند الشافعية ، وبه قال أكثر الحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة أصحاب القول الأول:

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- أدلة الأمر بالوفاء بالعقد، والوفاء بشروط العقد.

        وجه الدلالة: والعرف أن الواقف يتولى وقفه إذا لم يعين ناظر، والمعروف عرفا كالمشروط لفظا .

        2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار على عمر بوقف أرضه لم يقل له: لا يصح ذلك حتى تخرجها عن يدك، ولا تلي نظرها، فدل ذلك على صحة بقائها في يده تحت ولايته ; لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد قال الإمام الشافعي: "ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال" .

        أما القول بغير ذلك فهو قول مخالف للصواب، قال ابن القيم رحمه الله : "وأي غرض للشارع في ذلك؟ وأي مصلحة للواقف أو الموقوف عليه؟ بل المصلحة خلاف ذلك; لأنه أخبر بماله، وأقوم بعمارته ومصالحه وحفظه من الغريب الذي ليست خبرته وشفقته كخبرة صاحبه وشفقته".

        3- أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يلون أوقافهم بأنفسهم حتى توفوا . [ ص: 365 ]

        فقد تقدم أن عمر رضي الله عنه ولي صدقته حتى مات.

        وقال الإمام الشافعي رحمه الله : "أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي أن عمر ولي صدقته حتى مات، وجعلها بعده إلى حفصة، وولي علي صدقته حتى مات، ووليها بعده الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت، وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولي صدقته حتى مات".

        وقال رحمه الله - أيضا : "ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، لقد حكى لي عدد من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه ، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا، وإن نقل الحديث فيها كالتكلف".

        4 - القياس على قسمة رب المال لما وجب عليه من الزكاة، فإنه إذا ثبت الحق في الولاية على الصدقة لمن وجبت عليه ، فإنه من باب الأولى أن يثبت له ذلك الحق على الصدقة التطوعية، وهي هنا الوقف.

        5- القياس على متخذ المسجد، ومعتق العبد، فالواقف هو أقرب الناس إلى وقفه ، وأحقهم بإدارته وعمارته، كمن اتخذ مسجدا فإنه أولى بعمارته، وكمن أعتق عبدا فإن الولاء له ; لأنه أقرب الناس إليه. [ ص: 366 ]

        دليل أصحاب القول الثاني:

        القياس على سائر الأجانب في المنع من النظارة والتدبير في الوقف إلا بتعيين، وبيان ذلك :

        أن الواقف لما حبس العين وسلمها للقيم فقد أخرجها عن ملكه ويده ، وصار هو وسائر الأجانب فيه سواء، وكما أن التدبير في الوقف ليس إلى سائر الأجانب، فكذلك لا يكون التدبير إلى الواقف.

        ونوقش هذا الاستدلال : بأنه قياس مع الفارق ; إذ الواقف تعلق بالوقف بخلاف الأجنبي، فهو وقفها لتكون له صدقة جارية على الدوام، ويعنيه دوام عينها وعمارتها; لأن من لازم ذلك استمرار الثواب العائد عليه، وفي تعطلها وانقطاع نفعها منعا لجريان الصدقة، فكان من حقه رعاية الوقف والوقوف على كل ما يطرأ عليه، بخلاف الأجنبي، فلا حق له في تلك العين .

        الترجيح :

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول; لقوة ما استدلوا به من أن عمر رضي الله عنه ، وغيره من الصحابة رضي الله عنهم - كانوا يلون صدقاتهم. [ ص: 367 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية