الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 4391 ] قال الحارث بن محمد بن أبي أسامة : ثنا داود بن المحبر، ثنا أبي المحبر بن قحذم، عن المسور بن عبد الله الباهلي، عن بعض ولد الجارود، عن الجارود: أنه أخذ هذه النسخة عهد العلاء بن الحضرمي الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد بن عبد الله النبي الأمي القرشي الهاشمي، رسول الله ونبيه إلى خلقه كافة للعلاء بن الحضرمي ومن معه من المسلمين، عهد أعهده إليهم، اتقوا الله أيها المسلمون ما استطعتم فإني قد بعثت عليكم العلاء بن الحضرمي وأمرته أن يتقي الله وحده لا شريك له، وأن يلين لكم الجناح، ويحسن فيكم السيرة بالحق، ويحكم بينكم وبين من لقي من الناس بما أنزل الله - عز وجل - في كتابه من العدل، وأمرتكم بطاعته إذا فعل ذلك، وقسم قسط، واسترحم فرحم، فاسمعوا له وأطيعوا، وأحسنوا مؤازرته ومعاونته، فإن لي عليكم من الحق طاعة وحقا عظيما، لا تقدرون كل قدره، ولا يبلغ القول كنه حق عظمة الله وحق رسوله، وكما أن لله ورسوله على الناس عامة وعليكم خاصة حقا واجبا بطاعته والوفاء بعهده، ورضي الله عمن اعتصم بالطاعة وعظم حق [ ص: 135 ] أهلها، وحق ولاتها، كذلك للمسلمين على ولاتهم حقا واجبا وطاعة، فإن في الطاعة دركا لكل خير له تبتغى، ونجاة من كل شر يتقى، وأنا أشهد الله على من وليته شيئا من أمور المسلمين قليلا وكثيرا فلم يعدل فيهم فلا طاعة له، وهو خليع مما وليته، وقد برئت للذين معه من المسلمين أيمانهم وعهدهم وذمتهم، فليستخيروا الله عند ذلك ثم ليستعملوا عليهم أفضلهم في أنفسهم، ألا وإن أصابت العلاء بن الحضرمي مصيبة، فخالد بن الوليد سيف الله خلف فيهم للعلاء بن الحضرمي، فاسمعوا له وأطيعوا ما عرفتم أنه على الحق حتى يخالف الحق إلى غيره، فسيروا على بركة الله وعونه ونصره وعافيته ورشده وتوفيقه، فمن لقيتم من الناس فادعوهم إلى كتاب الله المنزل وسنته وسنة رسوله، وإحلال ما أحل الله لهم في كتابه، وتحريم ما حرم الله عليهم في كتابه، وأن يخلعوا الأنداد ويتبرؤوا من الشرك والكفر، وأن يكفروا بعبادة الطاغوت واللات والعزى، وأن يتركوا عبادة عيسى ابن مريم وعزير بن (حروة) والملائكة والشمس والقمر والنيران، وكل شيء يتخذ ضدا من دون الله، وأن يتولوا الله ورسوله، وأن يتبرؤوا ممن برئ الله ورسوله منه، فإذا فعلوا ذلك وأقروا به ودخلوا في الولاية، فبينوا لهم عند ذلك ما في كتاب الله الذي تدعونهم إليه، وأنه كتاب الله المنزل مع الروح الأمين على صفوته من العالمين محمد بن عبد الله ورسوله ونبيه وحبيبه، أرسله رحمة للعالمين عامة، الأبيض منهم والأسود وللإنس والجن، كتاب فيه نبأ كل شيء كان قبلكم وما هو كائن بعدكم، ليكون حاجزا بين الناس يحجز الله به بعضهم عن بعض، وإعراض بعضهم عن بعض، وهو كتاب الله مهيمنا على الكتب مصدقا لما فيها من التوراة والإنجيل والزبور، يخبركم الله فيه بما كان قبلكم مما قد فاتكم دركه في آبائكم الأولين، الذين أتتهم رسل الله وأنبياؤه كيف كان جوابهم ثم لرسلهم، وكيف كان تصديقهم بآيات الله، وكيف كان تكذيبهم بآيات الله، فأخبر الله - عز وجل - في كتابه هذا (أنسابهم) وأعمالهم وأعمال من هلك منهم بذنبه، ليجتنبوا ذلك أن يعملوا بمثله؛ كيلا يحق عليهم في كتاب الله من عقاب الله وسخطه ونقمته مثل الذي حل عليهم من سوء أعمالهم وتهاونهم بأمر الله، وأخبركم في كتابه هذا بأعمال من نجا [ ص: 136 ] ممن كان قبلكم؛ لكي تعملوا بمثل أعمالهم، فبين لكم في كتابه هذا شأن ذلك كله رحمة منه لكم، وشفقا من ربكم عليكم، وهو هدى من الضلالة، وتبيان من العمى؛ وإقالة من العثرة، ونجاة من الفتنة، ونور من الظلمة، وشفاء عند الأحداث، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من اللبس، وبيان ما بين الدنيا والآخرة، فيه كمال دينكم، فإذا عرضتم هذا عليهم فأقروا لكم به فاستكملوا الولاية، فاعرضوا عليهم عند ذلك الإسلام، والإسلام: الصلوات الخمس وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان، والغسل من الجنابة، والطهور قبل الصلاة، وبر الوالدين، وصلة الرحم المسلمة، وحسن صحبة الوالدين المشركين، فإذا فعلوا ذلك فقد أسلموا؛ فادعوهم من بعد ذلك إلى الإيمان، وانصبوا لهم شرائعه ومعالمه، والإيمان: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن ما جاء به محمد الحق، وأن ما سواه الباطل، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأنبيائه واليوم الآخر، والإيمان بما بين يديه وما خلفه من التوراة والإنجيل والزبور، و(الإيمان بالبينات والحساب) والجنة والنار والموت والحياة، والإيمان لله ولرسوله والمؤمنين كافة؛ فإذا فعلوا ذلك وأقروا به فهم مسلمون مؤمنون، ثم تدلوهم بعد ذلك على الإحسان، وعلموهم أن الإحسان أن يحسنوا فيما بينهم وبين الله في أداء الأمانة وعهده الذي عهده إلى رسله ،وعهد رسله إلى خلقه وأئمة المؤمنين، والتسليم وسلامة المسلمين من كل غائلة لسان أو يد، وأن يبتغوا لبقية المسلمين كما يبتغي المرء لنفسه، والتصديق بمواعيد الرب ولقائه ومعاينته، والوداع من الدنيا في كل ساعة، والمحاسبة للنفس عند استيفاء كل يوم وليلة، وتزود من الليل والنهار، والتعاهد لما فرض الله تأديته إليه في السر والعلانية؛ فإذا فعلوا ذلك فهم مسلمون مؤمنون محسنون، ثم انصبوا وانعتوا لهم الكبائر ودلوهم عليها، وخوفوهم من الهلكة في الكبائر، وأن الكبائر هي الموبقات وأولاهن: الشرك بالله، إن الله لا يغفر أن يشرك به، والسحر وما للساحر من خلاق، وقطيعة الرحم لعنهم الله، والفرار من الزحف فقد باؤوا بغضب من الله، والغلول يأتوا بما غلوا يوم القيامة لا يقبل منهم، وقتل النفس المؤمنة جزاؤه جهنم، وقذف المحصنة لعنوا في الدنيا والآخرة، وأكل مال اليتيم يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون [ ص: 136 ] سعيرا، وأكل الربا فائذنوا بحرب من الله ورسوله، فإذا انتهوا عن الكبائر فهم مسلمون مؤمنون محسنون متقون، وقد استكملوا التقوى، فادعوهم بمثل ذلك إلى العبادة، والعبادة: الصيام، والقيام، والخشوع والركوع، والسجود، واليقين، والإنابة، والإخبات، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والصدقة بعد الزكاة، والتواضع، والسكون، والمواساة، والدعاء، والتضرع، والإقرار (بالملكة) لله والعبودية، والاستقلال لما كثر من العمل الصالح، فإذا فعلوا ذلك فهم مسلمون مؤمنون محسنون متقون عابدون، وقد استكملوا العبادة، فادعوهم عند ذلك إلى الجهاد وبينوه لهم، ورغبوهم فيما رغبهم الله من فضيلة الجهاد وثوابه عند الله، فإن انتدبوا فبايعوهم وادعوهم حتى تبايعوهم إلى سنة الله وسنة رسوله، عليكم عهد الله وذمته وسبع كفالات - قال داود بن المحبر: يقول: الله كفيل علي بالوفاء سبع مرات - لا تنكثون أيديكم من بيعة، ولا تنقضون أمر وال من ولاة المسلمين، فإذا أقروا بهذا فبايعوهم واستغفروا الله لهم، فإذا خرجوا يقاتلون في سبيل الله غضبا لله ونصرا لدينه، فمن لقوا من الناس فليدعوهم إلى مثل ما دعوا إليه من كتاب الله: إجابته، وإسلامه، وإيمانه، وإحسانه، وتقواه، وعبادته، وهجرته، فمن اتبعهم فهو المستجيب المسكين المسلم المؤمن المحسن المتقي العابد المجاهد، له ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى هذا عليكم فقاتلوهم حتى يفيء إلى أمر الله والفيء إلى دينه، ومن عاهدتهم وأعطيتموه ذمة الله فوفوا إليه بها، ومن أسلم وأعطاكم الرضا فهو منكم وأنتم منه، ومن قاتلكم على هذا بعدما سميتموه له فاقتلوهم، ومن حاربكم فحاربوه، ومن كايدكم فكايدوه، ومن جمع لكم فاجمعوا له، أو غالكم فغيلوه، أو خادعكم فخادعوه من غير أن تعتدوا، أو ماكركم فامكروا به من غير أن تعتدوا سرا أو علانية، فإنه من ينتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، واعلموا أن الله معكم يراكم ويرى أعمالكم، ويعلم ما تصنعون كله؛ فاتقوا الله وكونوا على حذر، فإنما هذه أمانة ائتمنني عليها ربي أبلغها عباده عذرا منه إليهم، وحجة منه احتج بها على من بلغه هذا الكتاب من الخلق جميعا، فمن عمل بما فيه نجا، ومن اتبع ما فيه اهتدى، ومن خاصم به أفلح، ومن قاتل به نصر، ومن تركه ضل حتى يراجعه، فتعلموا ما فيه وأسمعوه آذانكم، وأوعوه أجوافكم، واستحفظوه قلوبكم، فإنه نور الأبصار، وربيع القلوب، وشفاء لما في الصدور، وكفى بهذا آمرا ومعتبرا، وزاجرا وعظة، وداعيا إلى الله ورسوله، [ ص: 138 ] فهذا هو الخير الذي لا شر فيه، كتاب محمد بن عبد الله ورسول الله ونبيه للعلاء بن الحضرمي حين بعثه إلى البحرين يدعو إلى الله ورسوله، يأمره إلى ما فيه من حلال، وينهى عما فيه من حرام، ويدل على ما فيه من رشد، وينهى عما فيه من غي، كتاب ائتمن عليه نبي الله العلاء بن الحضرمي وخليفته خالد بن الوليد سيف الله، وقد أعذر إليهما في الوصية مما في هذا الكتاب إلى من معهما من المسلمين، ولم يجعل لأحد منهم عذرا في إضاعة شيء منه لا الولاة ولا المتولى عليهم ممن بلغه هذا الكتاب من الخلق جميعا، فلا عذر له ولا حجة، ولا يعذر بجهالة شيء مما في هذا الكتاب .

                                                                                                                                                                    كتب هذا الكتاب لثلاث من ذي القعدة لأربع سنين مضين من مهاجرة نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا شهرين، شهد الكتاب يوم كتبه ابن أبي سفيان، وعثمان بن عفان يمليه عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، والمختار بن قيس القرشي وأبو ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان العبسي وقصي بن أبي عمرو الحميري وشبيب بن أبي مرثد الغساني و(المستنير) بن أبي صعصعة الخزاعي، وعوانة بن شماخ الجهني وسعد بن مالك الأنصاري وسعد بن عبادة الأنصاري وزيد بن عمرو، والنقباء: رجل من قريش ورجل من جهينة وأربعة من الأنصار، حين دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلاء بن الحضرمي وخالد بن الوليد سيف الله .

                                                                                                                                                                    هذا إسناد ضعيف؛ لجهالة التابعي، وكذب داود بن المحبر.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية