الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    2 - باب ما جاء في حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه

                                                                                                                                                                    [ 4872 / 1 ] قال أبو داود الطيالسي : ثنا حماد بن يزيد، عن معاوية بن قرة المزني قال: " أتيت المدينة زمن الأقط والسمن، والأعراب يأتون بالبرقان (يسعون بها) فإذا أنا برجل طامح البصر، وهو ينظر إلى الناس، فظننت أنه غريب، فدنوت فسلمت عليه، فرد علي السلام، وقال لي: من أهل هذه المدينة أنت؟ قلت: نعم، فجلست معه، فقلت: ممن أنت؟ قال: من بني هلال، واسمي كهمس - أو قال: من بني (بهلول) واسمي كهمس - ثم قال لي: ألا أحدثك حديثا شهدته من عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ فقلت: بلى، قال: بينما نحن جلوس عنده إذ جاءت امرأة فجلست إليه، فقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي قد كثر شره وقل خيره، فقال لها: من زوجك؟ قالت: أبو سلمة، فقال: إن ذلك لرجل له صحبة، وإنه لرجل صدق، ثم قال عمر - رضي الله عنه - لرجل عنده جالس: [ ص: 373 ] أليس كذلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لا نعرفه إلا بما قلت.

                                                                                                                                                                    فقال عمر لرجل: قم فادعه لي، وقامت المرأة حين أرسل إلى زوجها، فقعدت خلف عمر، فلم يلبث أن جاءا معا حتى (جلس) بين يدي عمر، فقال عمر: ما تقول هذه الجالسة خلفي؟ قال: ومن هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه امرأتك، قال: وتقول ماذا؟ قال: تزعم أنك قد قل خيرك وكثر شرك.

                                                                                                                                                                    قال: بئس ما قالت يا أمير المؤمنين، إنها لمن صالحي نسائها، أكثرهن كسوة، وأكثرهن رفاهية بيت، ولكن فحلها بكي، فقال عمر - رضي الله عنه - للمرأة: ما تقولين؟ قالت: صدق.

                                                                                                                                                                    فقام إليها عمر بالدرة فتناولها بها، ثم قال: أي عدوة نفسها، أكلت ماله، وأفنيت شبابه، ثم أنشأت تخبرين بما ليس فيه، فقالت: يا أمير المؤمنين، لا تعجل فوالله لا أجلس هذا المجلس أبدا.

                                                                                                                                                                    ثم أمر لها بثلاثة أثواب، فقال: خذي هذا لما صنعت بك، وإياك أن تشكي هذا الشيخ.

                                                                                                                                                                    فكأني أنظر إليها قامت ومعها الثياب، ثم أقبل على زوجها فقال: لا (يحملك) ما رأيتني صنعت بها أن (تسيء) إليها، انصرفا.

                                                                                                                                                                    فقال الرجل: ما كنت لأفعل، ثم قال عمر - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم ينشأ قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، يشهدون من غير أن يستشهدوا، لهم لغط في أسواقهم.

                                                                                                                                                                    قال معاوية: قال لي كهمس: أتخاف أن هؤلاء من أولئك؟ قال لي كهمس: إني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بإسلامي، ثم غبت عنه حولا، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله، كأنك تنكرني، فقال: أجل، فقلت: يا رسول الله، ما أفطرت منذ فارقتك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أمرك أن تعذب نفسك؟! صم يوما من الشهر، قلت: زدني، قال: فصم يومين، حتى قال: فصم ثلاثة أيام من كل شهر "
                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                    [ 4872 / 2 ] رواه ابن أبي عاصم: عن يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي .

                                                                                                                                                                    [ 4872 / 3 ] ورواه البخاري في تاريخه، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن يزيد بن مسلم به.

                                                                                                                                                                    وأخرجه الحاكم في الكنى من طريق موسى به. [ ص: 374 ]

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية