الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 4629 ] وقال محمد بن يحيى بن أبي عمر : ثنا بشر بن السري، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني، عن علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار " أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شاور لهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان بأيهم يبدأ، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحد الجناحين لاذ الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بأصبهان. قال: فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلي، فانتظره حتى قضى صلاته، فقال: إني مستعملك. قال: أما جابيا فلا، ولكن غازيا. قال: فإنك غاز. قال: فسرحه ثم بعث إلى أهل الكوفة أن يلحقوا به وفيهم: الزبير بن العوام وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، والأشعث بن قيس، وعمرو بن معدي كرب، قال: فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر، فبعث إليهم المغيرة بن شعبة، قال: وملكهم (ذو الحاجبين) قال: فاستشار أصحابه، فقال: ما ترون، أقعد له في هيئة الحرب، أم أقعد له في هيئة الملك وبهجته ؟ قالوا: لا، بل اقعد له في هيئة الملك وبهجته. قال: فقعد في هيئة الملك وبهجته. قال: فقعد على السرير ووضع التاج على رأسه، وأصحابه حوله عليهم ثياب الديباج والقرطة وأسورة الذهب، قال: فأتاه المغيرة بن شعبة، وقد أخذ بضبعيه [ ص: 258 ] رجلان وبيد المغيرة الرمح والترس، والناس سماطان على كل بساط، فجعل يطعن برمحه في البساط يخرقه كي يتطيروا، فقال له (ذو الحاجبين): إنكم معشر العرب أصابكم جهد وجوع، فخرجتم فإن شئتم موناكم فرجعتم. قال: فتكلم المغيرة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا كنا معشر العرب نأكل الجيف والميتة، وكنا أذلة وكان الناس يطؤونا ولا نطؤهم، حتى ابتعث الله منا رسولا في شرف منا، وأوسطنا حسبا، وأصدقنا قيلا، وإنه وعدنا أشياء فوجدناها كما قال، وإنه وعد فيما وعدنا أنا سنغلب على ما هاهنا، وإني لأرى هاهنا أشياء وبرة ما أراه من بعدي تاركوها حتى لقيتموها. قال: فقالت لي نفسي: لو جمعت جراميزك، ثم وثبت وثبة فجلست مع العلج على سريره فيتطير أيضا، فجمعت جراميزي فوثبت وثبة، فإذا أنا مع العلج على سريره، قال: ففجؤوني بأيديهم، ووطؤوني بأرجلهم. قال: فقلت: أرأيتم إن كنت جهلت وسفهت، فإن هذا لا يفعل بالرسل، وإنا لا نفعل هذا برسلكم إلينا إذا أتونا. قال (ذو الحاجبين): إن شئتم عبرنا إليكم، وإن شئتم عبرتم إلينا. قال: قلت: لا، بل نعبر إليكم. قال: فعبرنا إليهم. قال: فسلسلوا كل سبعة وستة في سلسلة كي لا يفروا، فرمونا فأسرعوا فينا، فقال المغيرة للنعمان: إنهم قد أسرعوا فينا فاحمل عليهم. فقال النعمان: يا مغيرة، أما إنك ذو مناقب، وقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه، ولكني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر. ثم قال النعمان: أيها الناس، إني هاز اللواء ثلاث مرات، فأما أول هزة فليقض الرجل حاجته وليتوضأ، وأما الثانية فليرم امرؤ شسعة وليشد عليه سلاحه ويجمع عليه ثيابه، وأما الهزة الثالثة فإني حامل فاحملوا، وإن قتل أحد منكم فلا يلوين عليه أحد، وإن قتل النعمان فلا يلوين عليه أحد، وإني داعي الله بدعوة فعزمة على كل امرئ منكم لما أمن عليها، ثم قال: اللهم ارزق النعمان اليوم شهادة بنصر المسلمين وفتح عليهم. قال: فأمن القوم فنقل درعه، ثم قال: هز اللواء ثلاث هزات، ثم حمل فكان أول صريع. قال معقل بن يسار: فمررت عليه وهو صريع فذكرت عزمته فلم ألو عليه، وأعلمت مكانه، قال: فكنا إذا قتلنا رجلا سفل أصحابه، ووقع (ذو الحاجبين) من بغلة له شهباء فانشق بكفتيه، وفتح الله على المسلمين، فأتيت مكان النعمان وبه رمق، فأتيته بماء فجعلت أصب على وجهه، قال: [ ص: 259 ]

                                                                                                                                                                    من أنت ؟ قلت: معقل بن يسار . قال: ما فعل الناس ؟ قلت: فتح الله عليهم. قال: لله الحمد، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه، واجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس فبعثوا إلى أم ولد له، فقالوا: هل عهد إليك عهدا ؟ قالت: لا، إلا سفطا فيه كتاب. قال: فقرأناه فإذا فيه: إن قتل النعمان ففلان، وإن قتل فلان ففلان " .

                                                                                                                                                                    قال حماد: وأخبرني علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال: " أتيت عمر بن الخطاب بالبشارة، فقال لي: ما فعل النعمان ؟ قال: قلت: قتل. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال: فما فعل فلان ؟ قلت: قتل. قال: فما فعل فلان ؟ قلت: قتل. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، هؤلاء نعرفهم وآخرون لا نعلمهم. قال: قلت: لا نعلمهم لكن الله يعلمهم " .

                                                                                                                                                                    قلت: الإسناد الأول رواته ثقات، والثاني ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان .

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية