الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 4262 / 1 ] وقال أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا النضر بن شميل، ثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: استأذن جعفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا. فأذن له فأتى النجاشي، قال: فحدثني عمرو بن العاص قال: فلما رأيت مكانه حسدته، قال: قلت: والله لأستقتلن، لهذا وأصحابه، [ ص: 79 ] قال: فأتيت النجاشي فدخلت معه عليه، فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا، وأنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك والله إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدا لا أنا ولا واحد من أصحابي. قال: ادعه. قلت: إنه لا يجيء معي، فأرسل معي رسولا. قال: فجاء فلما انتهى إلى الباب ناديت: ائذن لعمرو بن العاص، فناداه هو من خلفي: ائذن لعبيد الله. قال: فسمع صوته فأذن له من قبلي، قال: فدخل هو وأصحابه، قال: ثم أذن لي فدخلت، فإذا هو جالس قال: فذكر أين كان مقعده من السرير، فلما رأيته جئت حتى قعدت بين يديه وجعلته خلف ظهري، وأقعدت بين كل رجلين رجلا من أصحابي، قال: فقال النجاشي: نحروا نحروا - أي تكلموا - فقال عمرو: إن ابن عم هذا بأرضنا وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك والله إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع هذه النطفة إليك أبدا لا أنا ولا أحد من أصحابي، قال: فتشهد، فأنا أول ما سمعت التشهد يومئذ. قال: فقال: صدق ابن عمي وأنا على دينه. قال: فصاح وقال: أوه، حتى قلت: إن الحبشة لا تكلم، قال: أناموس مثل ناموس موسى؟! ما يقول في عيسى ابن مريم ؟ قال: يقول: هو روح الله وكلمته، قال: فتناول شيئا من الأرض فقال: ما أخطأ شيئا مما قال هذه، ولولا ملكي لتبعتكم، وقال لي: ما كنت أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا. وقال لجعفر: اذهب فإنك آمن بأرضي، فمن ضربك قتلته، ومن سبك غرمته، وقال لآذنه: متى أتاك هذا يستأذن علي فائذن له إلا أن أكون عند أهلي، فإن كنت عند أهلي فأخبره، فإن أبى فائذن له. قال: وتفرقنا فلم يكن أحد أحب إلي من أن أكون لقيته خاليا من جعفر، فاستقبلني في طريق مرة فلم أر أحدا ونظرت خلفي فلم أر أحدا، قال: فدنوت فأخذت بيده فقلت: تعلمن أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ؟ قال: فقال: هداك الله فاثبت. قال: وتركني وذهب، قال: فأتيت أصحابي فكأنما شهدوا معي، فأخذوني فألقوا علي قطيفة أو ثوبا فجعلوا يغمونني، فجعلت أخرج رأسي من هذه الناحية مرة ومن هذه الناحية مرة، حتى أفلت وما علي قشرة، قال: فلقيت حبشية فأخذت قناعها فجعلته على عورتي، فقالت: كذا وكذا. فقلت: كذا وكذا. فأتيت جعفرا، فقال: ما لك ؟ فقلت: ذهب كل شيء لي حتى ما ترك علي قشرة وما الذي ترى علي إلا قناع حبشية. قال: فانطلق وانطلقت معه حتى أتينا إلى باب الملك، فقال: ائذن لحزب الله. قال آذنه: إنه مع أهله. قال: استأذن، فاستأذن فأذن له، فقال: إن عمرا قد بايعني على ديني. قال: كلا. قال: بلى. قال: كلا. [ ص: 80 ]

                                                                                                                                                                    قال: بلى. قال لإنسان: اذهب فإن كان فعل فلا يقول شيئا (إلا ) كتبته. فقال: نعم، فجعل يكتب ما أقول حتى ما تركت شيئا حتى القدح، ولو أشاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي فعلت
                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                    [ 4262 / 2 ] رواه البزار في مسنده: ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: قال جعفر بن أبي طالب: يا رسول الله، ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا حتى أموت، قال: فأذن له، فأتى النجاشي .

                                                                                                                                                                    [ 4262 / 3 ] قال معاذ: عن ابن عون، فحدثني عمير بن إسحاق، قال: حدثني عمرو بن العاص قال: لما رأيت جعفرا وأصحابه آمنين بأرض الحبشة قلت: لأفعلن بهذا وأصحابه، فأتيت النجاشي فقلت: ائذن لعمرو بن العاص، فأذن لي فدخلت فقلت: إن بأرضنا ابن عم لهذا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ... فذكره بتمامه. قال البزار : لا نعلمه يروى عن جعفر إلا بهذا الإسناد. قال الحافظ أبو الفضل العسقلاني - ومن خطه نقلت - : عمير بن إسحاق ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن في هذا السياق لما رواه الثقات في هذه القصة مخالفة كثيرة، فهو شاذ أو منكر.

                                                                                                                                                                    قلت: عمير بن إسحاق مولى بني هاشم، اختلف فيه كلام ابن معين، فقال مرة: لا يساوي شيئا. وقال الدارمي: قلت لابن معين: كيف حديثه ؟ قال: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكر الساجي أن مالكا سئل عنه فقال: قد روى عنه رجل لا أقدر أن أقول فيه شيئا. وقال أبو حاتم والنسائي: لا نعلم روى عنه غير ابن عون. وذكره العقيلي في الضعفاء؛ لأنه لم يرو عنه غير واحد، وباقي رجال الإسناد ثقات.

                                                                                                                                                                    هكذا وقع في مسندي البزار وأبي يعلى الموصلي أن إسلام عمرو بن العاص كان على يدي جعفر بن أبي طالب، ووقع في مسند الحارث بن محمد بن أبي أسامة أن إسلام عمرو بن العاص كان على يدي النجاشي، وسيأتي في كتاب المناقب في مناقب عمرو بن العاص مطولا. [ ص: 81 ]

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية