الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    29 - باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي

                                                                                                                                                                    [ 4650 / 1 ] قال أحمد بن منيع : ثنا عباد بن عباد المهلبي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد مولى آل معاوية قال: " أتيت الشام فقيل لي: إن في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت فإذا أنا بشيخ كبير، فقلت: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قلت: حدثني عن ذلك.

                                                                                                                                                                    قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك كتب إلى قيصر كتابا، وبعث به مع رجل من أصحابه يقال له: دحية بن خليفة، فلما قرأ كتابه وضعه معه على السرير، وبعث إلى بطارقته ورؤوس أصحابه فقال: إن هذا الرجل قد بعث إليكم رسولا، وكتب إليكم كتابا يخيركم إحدى ثلاث خلال: إما أن تتبعوه على دينه، أو تقرون له بخراج يجري له عليكم ويقركم على هيئتكم في بلادكم، أو أن تلقوا إليه بالحرب.

                                                                                                                                                                    قال: فنخروا نخرة حتى خرج بعضهم من برانسهم، وقالوا: لا نتبعه على دينه وندع ديننا ودين آبائنا، ولا نقر له بخراج يجري له علينا، ولكنا نلقي إليه بالحرب.

                                                                                                                                                                    فقال: قد كان ذلك رأيي، ولكن كرهت أن أفتات عليكم بأمر حتى أعرضه عليكم - قال عباد: فقلت لابن خثيم: أوليس قد كان قارب وهم بالإسلام فيما بلغنا؟ قال بلى، لولا ما رأى [ ص: 270 ] منهم - قال: فابعثوا لي رجلا أظنه من العرب أكتب معه جوابه.

                                                                                                                                                                    قال: فأتيته وأنا شاب، فانطلق بي إليه، فكتب جوابه، وقال: مهما نسيت من شيء فاحفظ ثلاث خلال: انظر إذا هو قرأ كتابي هل يذكر الليل والنهار، وهل يذكر كتابه إلي، وانظر هل ترى في ظهره علما.

                                                                                                                                                                    قال: فأتيته وهو بتبوك في حلقة من أصحابه، فدفعت إليه الكتاب، فدعا معاوية فقرأ عليه الكتاب، فلما أتى على قوله: دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إذا جاء الليل فأين النهار؟! قال: قال: إني كتبت إلى النجاشي كتابا فخرقه، فخرقه الله - قال عباد: فقلت لابن خثيم: أوليس قد أسلم النجاشي ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وصلى عليه؟ قال: فقال: بلى، ذاك فلان بن فلان، وهذا فلان بن فلان، قد عرفهم ابن خثيم جميعا ونسبهم - وكتبت إلى كسرى كتابا فمزقه فمزقه الله، فمزق الملك، وكتبت إلى قيصر كتابا فأجابني فيه، فلن يزال الناس يخشون منهم بأسا ما كان في الناس خير، ثم قال لي: ممن أنت؟ قلت: من تنوخ، قال: يا أخا تنوخ، هل لك في الإسلام؟ قلت: لا، إني أقبلت من قبل قوم وأنا وهم على دين، فلست متبدلا بدينهم حتى أرجع إليهم.

                                                                                                                                                                    قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو تبسم - قال: فلما قضيت حاجتي وقفت، فلما وليت دعاني فقال: يا أخا تنوخ، هلم فامض لما أمرت به، قال: وقد كنت نسيتها، فاستدرت من وراء الحلقة وألقى بردة كانت عليه عن ظهره، فرأيت على غضروف منكبيه مثل المحجم الضخم، صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                    [ 4650 / 2 ] رواه أبو يعلى الموصلي : ثنا حوثرة بن أشرس، ثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد قال: " كان رسول قيصر جارا لي زمن يزيد بن معاوية، فقلت: أخبرني عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر.

                                                                                                                                                                    فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل دحية الكلبي إلى قيصر ومعه كتابا يخيره بين إحدى ثلاث: إما أن يسلم وله ما في يديه من ملكه، وإما أن يؤدي الخراج، وإما أن يأذن بحرب.

                                                                                                                                                                    قال: فجمع قيصر بطارقته وقسيسيه في قصره وأغلق عليهم الباب، وقال: إن محمدا كتب إلي يخيرني بين إحدى ثلاث: إما أن أسلم ولي ما في يدي من ملكي، وإما أن أؤدي الخراج، وإما أن آذن بحرب، وقد تجدون فيما تقرؤون من كتبكم أنه سيملك ما تحت قدمي من ملكي، فنخروا نخرة حتى أن [ ص: 271 ] بعضهم خرجوا من برانسهم وقالوا: ترسل إلى رجل من العرب جاء في (بردته ونعله) بالخراج؟! فقال: اسكتوا، فإنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم ورغبتكم فيه.

                                                                                                                                                                    ثم قال: ابتغوا لي رجلا، فجاؤوا بي، فكتب معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا، وقال: انظر ما سقط عنك من قوله، ولا يسقطن عنك ذكر الليل والنهار.

                                                                                                                                                                    قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه وهم محتبون بحمائل سيوفهم حول بئر بتبوك، فقلت: أيكم محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فدفعت إليه الكتاب، فدفعه إلى رجل إلى جنبه، فقلت: من هذا؟ قالوا: معاوية بن أبي سفيان .

                                                                                                                                                                    فقرأ فإذا فيه: كتبت تدعو إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا سبحان الله! إذا جاء الليل فأين النهار؟! فكتبته عندي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك رسول قوم، وإن لك حقا، ولكن جئتنا ونحن مرملون، فقال عثمان بن عفان: أنا أكسوه حلة صفورية. فقال رجل من الأنصار: علي ضيافته.

                                                                                                                                                                    وقال لي قيصر فيما قال: انظر إلى ظهره، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أريد النظر إلى ظهره، فألقى ثوبه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم في (نغض) الكتف، فأقبلت عليه أقبله.

                                                                                                                                                                    ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كتبت إلى النجاشي فأحرق كتابي والله محرقه، وكتبت إلى كسرى عظيم فارس فمزق كتابي والله ممزقه، وكتبت إلى قيصر فرفع كتابي، فلا يزال في الناس - ذكر كلمة - ما كان في العيش خير "
                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                    [ 4650 / 3 ] ورواه أحمد بن حنبل: ثنا إسحاق بن عيسى، حدثني يحيى بن (سليم) عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد قال: " لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ الفند أو قرب، فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟ قال: بلى.

                                                                                                                                                                    قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية الكلبي إلى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار، فقال: قد نزل هذا الرجل [ ص: 272 ] حيث رأيتم، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال ... "
                                                                                                                                                                    فذكر نحو حديث أبي يعلى الموصلي .

                                                                                                                                                                    [ 4650 / 4 ] قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : وحدثني حوثرة بن أشرس ... فذكره.

                                                                                                                                                                    [ 4650 / 5 ] قال: وثنا سريج بن يونس، ثنا عباد بن عباد - يعني المهلبي - عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ... فذكره.

                                                                                                                                                                    هذا إسناد صحيح. [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية