الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 4284 / 1 ] الحارث بن محمد بن أبي أسامة : ثنا أبو النضر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن [ ص: 90 ] عروة بن النزال - أو النزال بن عروة - التيمي أن معاذ بن جبل قال: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال: بخ، لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله - عز وجل - ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، أما رأس الأمر: الإسلام، أسلم تسلم، وأما عموده: فالصلاة، وأما ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، أولا أدلك على أبواب الخير، الصلاة قربان، والصيام جنة، والصدقة طهور، وقيام العبد في جوف الليل يكفر الخطيئة، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) : ألا أدلك على أملك ذلك كله ؟ قال: فأقبل راكب - أو ركب - فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسكت، قال: فلما مضى الركب قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم .

                                                                                                                                                                    [ 4284 / 2 ] رواه أحمد بن حنبل في مسنده: ثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد - يعني ابن بهرام - ثنا شهر، ثنا ابن غنم، عن حديث معاذ بن جبل أن رسول الله خرج بالناس قبل غزوة تبوك، فلما أن أصبح صلى بالناس صلاة الصبح، ثم إن الناس ركبوا فلما أن طلعت الشمس نعس الناس على أثر الدلجة، ولزم معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تأكل مرة وتسير أخرى عثرت ناقة معاذ فكبحها، بالزمام، فهبت حتى نفرت منها ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف عنه قناعه فالتفت فإذا ليس في الجيش رجل أدنى إليه من معاذ فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ. قال: لبيك يا نبي الله، قال: ادن. فدنا منه حتى لصقت راحلتاهما إحداهما بالأخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كنت أحسب الناس كمكانهم في البعد. فقال معاذ: يا نبي الله، نعس الناس فتفرقت بهم ركابهم ترتع وتسير. فقال رسول الله: وأنا كنت ناعسا. فلما رأى معاذ بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وخلوته به، قال: ائذن لي أسألك عن كلمة قد أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : سلني عما شئت. قال: يا نبي الله، حدثني بعمل يدخلني الجنة لا أسألك عن شيء غيره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد سألت بعظيم، لقد سألت بعظيم، لقد [ ص: 91 ] سألت بعظيم - ثلاثا - إنه ليسير على من أراد الله به الخير وإنه ليسير على من أراد الله به الخير، وإنه ليسير على من أراد الله به الخير - فلم يحدثه بشيء إلا أعاده ثلاث مرات حرصا لكيما يتقنه عنه - فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : تؤمن بالله واليوم الآخر، وتقيم الصلاة، وتعبد الله لا تشرك به شيئا، حتى تموت وأنت على ذلك. فقال: يا نبي الله، أعد لي. فأعادها ثلاث مرات، ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر وقوام هذا الأمر وذروة السنام. فقال معاذ: بلى يا رسول الله، حدثني بأبي وأمي أنت. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : إن رأس هذا الأمر: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وإن ذروة السنام منه: الجهاد في سبيل الله، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه، ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله .

                                                                                                                                                                    قلت: رواه النسائي في الكبرى، وابن ماجه في سننه، والترمذي في الجامع وصححه باختصار من طريق شقيق، عن معاذ به، وقد تقدم في كتاب الإيمان.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية