الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    20 - باب ما جاء في غزوة الفتح

                                                                                                                                                                    [ 4603 ] قال إسحاق بن راهويه: أبنا وهب بن جرير بن حازم، حدثني أبي، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة لعشرين مضين من رمضان، فصام وصام الناس حتى إذا كان بالكديد أفطر، فنزل مر الظهران في عشرة آلاف من الناس فيهم، ألف من مزينة وسبعمائة من بني سليم، وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعله، وقد خرج تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء الخزاعي، يتجسسون الأخبار، قال العباس: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث نزل، قلت: وا صباح قريش، والله إن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ليكونن هلاكهم إلى آخر الدهر، فركبت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء حتى جئت الأراك رجاء أن ألتمس بعض الحطاب، أو صاحب أمر أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرجوا إليه، فوالله إني لأسير ألتمس ما جئت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت كالليلة نيرانا ولا عسكرا. فقال بديل: هذه والله خزاعة قد خمشها الحرب. فقال أبو سفيان: خزاعة، والله أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها، فقلت: يا أبا حنظلة، تعرف صوتي؟ فقال: أبو الفضل ؟ قلت: نعم. قال: ما لك، فداك أبي وأمي ؟ فقلت: هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، وا صباح قريش. قال: فما الحيلة، فداك أبي وأمي ؟ قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب عجز هذه البغلة. فركب ورجع صاحباه، فخرجت به، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين، فقالوا: ما هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: هذه بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عمه، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: من هذا ؟ وقام إلي فلما رآه على عجز البغلة عرفه، فقال: والله عدو الله، [ ص: 241 ] الحمد لله الذي أمكن منك. فخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعت البغلة فسبقته بقدر ما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال: هذا عدو الله أبو سفيان، قد أمكن الله منه في غير عقد، ولا عهد، فدعني فأضرب عنقه. فقلت: قد أجرته، يا رسول الله، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر قلت: مهلا يا عمر، فوالله لو كان رجلا من بني عدي ما قلت هذا، ولكنه من بني عبد مناف. فقال: مهلا يا عباس، لا تقل هذا، فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم، وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس، اذهب به إلى رحلك فإذا أصبحت فائتنا به. فذهبت به إلى الرحل، فلما أصبحت غدوت به، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال: بأبي وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك وأعظم عفوك، لقد كاد يقع في نفسي أن لو كان إله غيره لقد كان أغنى شيئا بعد. فقال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ فقال: بأبي وأمي ما أحلمك، وأكرمك وأوصلك وأعظم عفوك، أما هذا فكان في النفس منها حتى الآن شيء. قال العباس: فقلت: ويلك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال العباس: فقلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا. فقال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. فلما انصرف إلى مكة ليخبرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احبسه بمضيق الوادي عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله. فحبسه العباس حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت القبائل على ركابها، فكلما مرت قبيلة قال: من هذه ؟ فأقول: بنو سليم. فيقول: ما لي ولبني سليم! ثم تمر أخرى، فيقول: من هؤلاء ؟ فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة! فلم يزل يقول ذلك حتى مرت كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضراء فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق، فقال: من هؤلاء ؟ فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. فقال: ما لأحد بهؤلاء قبيل، [ ص: 242 ] والله لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيم. فقلت: ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذا. فقلت: النجاء إلى قومك. فخرج حتى أتاهم بمكة فجعل يصيح بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد أتاكم بما لا قبل لكم به. فقامت امرأته هند بنت عتبة فأخذت بسارية، فقالت: اقتلوا الحميت الدسيم حمس البعير، من طليعة قوم. فقال أبو سفيان: لا يغرنكم هذه من أنفسكم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقالوا: قاتلك الله وما تغني عنا دارك ؟! قال: ومن أغلق بابه فهو آمن " .

                                                                                                                                                                    قال شيخنا أبو الفضل العسقلاني : ومن خطه نقلت: هذا حديث صحيح، قد روى معمر وابن عيينة ومالك عن الزهري طرفا منه في قصة الصوم، وأخرج ذلك الشيخان وغيرهما.

                                                                                                                                                                    وروى أحمد بن حنبل طرفا منه من حديث ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                    وروى أبو داود طرفا من قصة أبي سفيان مختصرا جدا.

                                                                                                                                                                    ولم يسقه أحد من الأئمة الستة وأحمد بتمامه.

                                                                                                                                                                    ورواه الذهلي بتمامه في الزهريات من طريق ابن إسحاق، لكن ليس فيه تصريح ابن إسحاق بسماعه له من الزهري، والسياق الذي هنا حسن جدا.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية