[ ص: 282 ] باب ما جرى بعد انقضاء الحرب وذهاب المشركين في أمر القتلى والجرحى، ومن أجاد الحرب وما ظهر من الآثار في حال الشهداء على طريق الاختصار
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي ، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ، عن ابن لهيعة أبي الأسود، عن ، قال: وناداهم عروة بن الزبير أبو سفيان حين ارتحلوا: إن موعدكم موسم بدر، وكان يقوم في بدر كل عام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا نعم" ، فقالوا: نعم، قد فعلنا، ونادوا أبا سفيان بذلك.
قال عروة: وانكفؤوا - يعني المشركين - إلى أثقالهم، ولا يدري المسلمون ما يريدون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري والنساء، وأقسم لئن فعلوا لأواقعنهم في جوفها" ، فلما أدبروا بعث في آثارهم وقال: "اعلم لنا أمرهم" ، فانطلق سعد يسعى، ثم رجع فقال: رأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنونة مدبرة، ورأيت القوم قد تحملوا على الأثقال سائرين، فطابت أنفسهم لذهاب العدو، وانتشروا يبتغون قتلاهم، فلم يجدوا قتيلا إلا قد مثلوا به، غير سعد بن أبي وقاص حنظلة بن أبي عامر، كان أبوه مع المشركين فترك له، حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقر بطنه، واحتملت كبده، حملها وحشي، وهو [ ص: 283 ] قتله وشق بطنه، فذهب بكبده إلى ووجدوا هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر، وأقبل المسلمون على قتلاهم يدفنونهم رضي الله عنهم.
قال: وخرجت فيهن وخرج نساء من المهاجرات والأنصار فحملن الماء والطعام على ظهورهن، فلما أبصرت أباها والذي به من الدماء اعتنقته، وجعلت تمسح الدماء عن وجهه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم" "اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ، وسعى رضي الله عنه إلى المهراس وقال علي بن أبي طالب أمسكي هذا السيف غير ذميم، فأتى بماء في مجنة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه فوجد له ريحا فقال: "هذا ماء آجن" ، فتمضمض منه، لفاطمة: فلما أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف علي مخضبا دما قال: "إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن وغسلت فاطمة عن أبيها الدماء، عاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أخبروني عن الناس ما فعلوا؟ أو أين ذهبوا؟" قال: كفر عامتهم، قال: "أما إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها أبدا، نبيحهم، ثم أقبلوا إلى دورهم".