الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 173 ] باب غزوة بني قينقاع قد ذكرنا عن ابن إسحاق أنها كانت بين ما ذكرنا من الغزوات، وزعم الواقدي أنها كانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة.

                                        حاصرهم إلى هلال ذي القعدة، والله أعلم

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر فقدم المدينة جمع يهود في سوق قينقاع فقال: "يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم بمثل ما أصاب قريشا" .

                                        فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك [ ص: 174 ] لن تلق مثلنا، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين إلى قوله: لعبرة لأولي الأبصار "
                                        وبإسناده عن محمد بن إسحاق ، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا منها بين بدر وأحد.

                                        فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمكنه الله تعالى منهم فقال: يا محمد، أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض عنه فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلني" ، وغضب حتى رئي لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلال، فقال له: "ويحك أرسلني" .

                                        فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، من منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إي والله إني لامرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم لك".


                                        وعن ابن إسحاق قال: حدثني إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم، فمشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف بن الخزرج لهم من حلفهم مثل الذي لهم من حلف عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى [ ص: 175 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، فقال: " يا رسول الله أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إلى قوله: فترى الذين في قلوبهم مرض يعني عبد الله بن أبي لقوله: إني أخشى الدوائر يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة حتى بلغ قوله: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وتبريه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم، إلى قوله: ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون .

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية