الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان، قال: حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: حدثنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن [ ص: 197 ] بن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، يريد كعب بن مالك، أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط، منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود وهم أهل الحلقة والحصون، وهم حلفاء للحيين: الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشرك، والرجل يكون مسلما وأخوه مشرك.

                                        وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فأمر الله تعالى رسوله والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، ففيهم أنزل الله جل ثناؤه: ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا الآية، وفيهم أنزل الله: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره .

                                        فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه، فبعث إليه سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة الأنصاري ثم الحارثي، وأبا عبس الأنصاري، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ، في خمسة رهط، أتوه عشية وهو في مجلسهم بالعوالي، فلما رآهم كعب بن الأشرف أنكر شأنهم وكان يذعر منهم، فقال [ ص: 198 ] لهم: ما جاء بكم؟ فقالوا: جاءت بنا إليك حاجة.

                                        قال: فليدن إلي بعضكم، فليحدثني بها، فدنا إليه بعضهم فقال: جئناك لنبيعك أدراعا لنا لنستنفق أثمانها، فقال: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم قد نزل بكم هذا الرجل، فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدي عنهم الناس، فجاؤوا، فناداه رجل منهم، فقام ليخرج، فقالت امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء مما تحب، فقال: بلى، إنهم قد حدثوني حديثهم.

                                        فاعتنقه أبو عبس، وضربه محمد بن مسلمة بالسيف، وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته، فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا فقتل، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في أشعاره وينهاهم به، ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم وبين المسلمين كتابا ينتهوا إلى ما فيه، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة، كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت العذق الذي كان في دار ابنة الحارث، وكانت تلك الصحيفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ".

                                        وأخبرنا أبو علي الروذباري، قال: أخبرنا أبو بكر بن داسة ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، أن الحكم بن نافع، حدثهم قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه، وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم قال: كان كعب بن الأشرف يهجو فذكره وحديث عبد الكريم أتم.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية