الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: فبينما الناس على خوفهم أتى نعيم بن مسعود الأشجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        قال ابن إسحاق: فحدثني رجل، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، ولم يعلم بي أحد من قومي، فمرني أمرك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت فينا رجل [ ص: 446 ] واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإنما الحرب خدعة" ، فانطلق نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة فقال لهم: يا معشر قريظة - وكان لهم نديما في الجاهلية - إني لكم نديم وصديق، قد عرفتم ذلك، فقالوا: صدقت، فقال: تعلمون والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، إن البلد لبلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإن قريشا وغطفان بلادهم غيرها، وإنما جاؤوا حتى نزلوا معكم، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم وأموالهم ونسائهم وأبنائهم، وخلوا بينكم وبين الرجل، فلا طاقة لكم به، وإن هم فعلوا ذلك فلا تقاتلوهم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، تستوثقون به منهم أن لا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا، فقالوا له: لقد أشرت برأي ونصح.

                                        ثم ذهب إلى قريش، فأتى أبا سفيان وأشراف قريش فقال: يا معشر قريش، إنكم قد عرفتم ودي إياكم، وفراقي محمدا ودينه، وإني قد جئتكم بنصيحة؛ فاكتموا علي، فقالوا: نفعل، ما أنت عندنا بمتهم، فقال: تعلمون أن بني قريظة من يهود، قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، فبعثوا إليه ألا يرضيك عنا أن نأخذ لك من القوم رهنا من أشرافهم، وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك عليهم، حتى تخرجهم من بلادك؟ فقال: "بلى" ، فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا واحذروا، ثم جاء غطفان فقال: يا معشر غطفان، قد علمتم أني رجل منكم، قالوا: صدقت، فقال لهم كما قال لهذا الحي من قريش.

                                        فلما أصبح أبو سفيان، وذلك يوم السبت في شوال سنة خمس، وكان مما [ ص: 447 ] صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم، بعث إليهم أبو سفيان بن حرب عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش، إن أبا سفيان يقول لكم: يا معشر يهود، إن الكراع والخف قد هلكا، وإنا لسنا بدار مقام، فاخرجوا إلى محمد نناجزه، فبعثوا إليه: إن اليوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم، حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم، لا تذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمدا، فقال أبو سفيان: قد والله حذرنا هذا نعيم؛ فبعث إليهم أبو سفيان: إنا لا نعطيكم رجلا واحدا، فإن شئتم أن تخرجوا فتقاتلون، وإن شئتم فاقعدوا، فقالت يهود: هذا والله الذي قال نعيم، والله ما أراد القوم ألا يقاتلوا معهم، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا مضوا فذهبوا إلى بلادهم، وخلوا بيننا وبين الرجل، فبعثوا إليهم: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا، فأبا أن يفعل، فبعث الله الريح على أبي سفيان وأصحابه وغطفان وجنوده التي بعث، فخذلهم الله.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية