الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 78 ] باب التقاء الجمعين ونزول الملائكة وما ظهر في رمي النبي صلى الله عليه وسلم بالقبضة وإلقاء الله تعالى الرعب في قلوبهم من آثار النبوة

                                        أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس الطرايفي، قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله عز وجل: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ، قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام، فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها لكيلا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله عز وجل وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا، فأمطر الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون [ ص: 79 ] وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وصار الرمل كدا - ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر - ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم، ومد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة، وجاء إبليس في جند من الشياطين، معه راية في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ، فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: "يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا" ، فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة.

                                        فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة، ألم تزعم أنك لنا جار؟ قال: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ، وذلك حين رأى الملائكة.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية