الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، قال: حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير ، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش إلى نخلة، فقال له: "كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش" ولم يأمره بقتال، وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أين يسير، فقال: "اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه، فما أمرتك به فامض له، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك" ، فلما سار يومين فتح الكتاب، فإذا فيه: "أن امض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فتأتينا من أخبار قريش بما [ ص: 19 ] اتصل إليك منهم" ، فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب قال: سمعا وطاعة، من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي، فإني ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كره ذلك منكم فليرجع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحدا، فمضى معه القوم، حتى إذا كانوا ببحران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه، فتخلفا عليه يطلبانه، ومضى القوم حتى نزلوا نخلة، فمر بهم عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان والمغيرة ابنا عبد الله، معهم تجارة قدموا بها من الطائف، أدم وزبيب، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه حليقا قالوا: عمار ليس عليكم منهم بأس، وائتمر القوم بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخر يوم من رجب، فقالوا: لئن قتلتموهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلن في هذه الليلة مكة الحرم فليمتنعن منكم، فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة فأعجزهم، واستاقوا العير، فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: "والله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام" ، فأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئا، فلما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، أسقط في أيديهم، وظنوا أن قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين، وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء: قد سفك محمد الدم الحرام، وأخذ فيه المال، وأسر فيه الرجال، واستحل الشهر الحرام، فأنزل الله عز وجل في ذلك يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل [ ص: 20 ] ، يقول: الكفر بالله أكبر من القتل، فلما نزل ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وفدى الأسيرين، فقال المسلمون: يا رسول الله، أتطمع لنا أن تكون غزوة، فأنزل الله عز وجل فيها: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله إلى آخر الآية " وكانوا ثمانية، وأميرهم التاسع عبد الله بن جحش.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية