الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني قال: أخبرنا الحسن بن الجهم، قال: أخبرنا الحسين بن الفرج، قال: أخبرنا الواقدي، قال: ويقال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر العصر بالأثيل، فلما صلى ركعة تبسم، فلما سئل عن تبسمه قال: " مر بي ميكائيل عليه السلام وعلى جناحيه النقع، فتبسم إلي وقال: إني كنت في طلب القوم "، وأتاه جبريل عليه السلام حين فرغ من قتال أهل بدر على فرس أنثى معقود الناصية، قد عصم ثنيتيه الغبار، فقال: يا محمد، إن ربي بعثني إليك وأمرني ألا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" .

                                        وقالوا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الأثيل فجاؤوا [ ص: 132 ] يوم الأحد شد الضحى، وفارق عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة بالعقيق، فجعل عبد الله ينادي على راحلته: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل المشركين وأسرهم، قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو، وقال: عاصم بن عدي، فقمت إليه فنحوته فقلت: أحقا ما تقول يا ابن رواحة؟ قال: إي والله، وغدا يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسرى مقرنين، ثم تبع دور الأنصار بالعالية يبشرهم دارا دارا، والصبيان يشتدون معه يقولون: قتل أبو جهل الفاسق، حتى انتهى إلى بني أمية بن زيد.

                                        وقدم زيد بن حارثة على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم القصواء يبشر أهل المدينة، فلما جاء المصلى صاح على راحلته: قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وأبو البختري، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو، وذو الأنياب في أسرى كثير، فجعل الناس لا يصدقون زيد بن حارثة، ويقولون: ما جاء زيد إلا فلا، حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا.

                                        وقدم زيد حين سووا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب بالبقيع، فقال رجل من المنافقين لأسامة بن زيد: قتل صاحبكم ومن معه، وقال رجل من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر: قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون منه أبدا، وقد قتل علية أصحابه، وقتل محمد، هذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلا.

                                        قال أبو لبابة: يكذب الله تعالى قولك.

                                        وقالت اليهود ما جاء زيد إلا فلا [ ص: 133 ] قال أسامة بن زيد : فجئت حتى خلوت بأبي فقلت: يا أبه، أحق ما تقول؟ قال: إي والله حق يا بني.

                                        فقويت نفسي فرفعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فليضربن عنقك.

                                        قال يا أبا محمد: إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه، قالوا: فجيء بالأسرى وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم تسعة وأربعون رجلا الذين أحصوا، وهم سبعون في الأصل مجتمع عليه لا شك فيه.

                                        واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شقران غلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرا ولم يعتقه يومئذ، ولقيه الناس يهنئونه بالروحاء بفتح الله تعالى عليه، فلقيه وجوه الخزرج.


                                        قال فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد فقال: فلقيه أسيد بن الحضير فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا، ولكن ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت" .

                                        ثم ذكر الواقدي ما فعل النجاشي بأرض الحبشة حين بلغه مقتل قريش ببدر، وقد كتبناه بإسناد آخر أعلى من قوله.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية