الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 282 ] باب ما جرى بعد انقضاء الحرب وذهاب المشركين في أمر القتلى والجرحى، ومن أجاد الحرب وما ظهر من الآثار في حال الشهداء على طريق الاختصار

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي ، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير ، قال: وناداهم أبو سفيان حين ارتحلوا: إن موعدكم موسم بدر، وكان يقوم في بدر كل عام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا نعم" ، فقالوا: نعم، قد فعلنا، ونادوا أبا سفيان بذلك.

                                        قال عروة: وانكفؤوا - يعني المشركين - إلى أثقالهم، ولا يدري المسلمون ما يريدون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري والنساء، وأقسم لئن فعلوا لأواقعنهم في جوفها" ، فلما أدبروا بعث سعد بن أبي وقاص في آثارهم وقال: "اعلم لنا أمرهم" ، فانطلق سعد يسعى، ثم رجع فقال: رأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنونة مدبرة، ورأيت القوم قد تحملوا على الأثقال سائرين، فطابت أنفسهم لذهاب العدو، وانتشروا يبتغون قتلاهم، فلم يجدوا قتيلا إلا قد مثلوا به، غير حنظلة بن أبي عامر، كان أبوه مع المشركين فترك له، ووجدوا حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقر بطنه، واحتملت كبده، حملها وحشي، وهو [ ص: 283 ] قتله وشق بطنه، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر، وأقبل المسلمون على قتلاهم يدفنونهم رضي الله عنهم.

                                        قال: وخرج نساء من المهاجرات والأنصار فحملن الماء والطعام على ظهورهن، وخرجت فيهن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرت أباها والذي به من الدماء اعتنقته، وجعلت تمسح الدماء عن وجهه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، وسعى علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى المهراس وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم، فأتى بماء في مجنة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه فوجد له ريحا فقال: "هذا ماء آجن" ، فتمضمض منه، وغسلت فاطمة عن أبيها الدماء، فلما أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف علي مخضبا دما قال: "إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أخبروني عن الناس ما فعلوا؟ أو أين ذهبوا؟" قال: كفر عامتهم، قال: "أما إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها أبدا، نبيحهم، ثم أقبلوا إلى دورهم".

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية