الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 328 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، قال: حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة ، أن نفرا من عضل والقارة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أحد، فقالوا: إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرؤننا القرآن، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم خبيب بن عدي.

                                        فذكرهم، وذكر قصتهم بمعنى ما ذكره موسى بن عقبة آخرا، وزاد قال: وقد كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن الشهيد، وقد كانت نذرت حين أصيب ابناها بأحد لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر، فمنعتهم الدبر، فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمس فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به، وقد كان عاصم أعطى الله عهدا لا يمس مشركا، ولا يمسه مشرك أبدا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته مما امتنع منه في حياته.

                                        قال ابن إسحاق: فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: يحفظ الله عز وجل المؤمن، فمنعه الله بعد وفاته مما امتنع منه في حياته " وبإسناده عن ابن إسحاق قال: وقال خبيب عند صلب المشركين إياه:


                                        لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع     وكلهم مبدي العداوة جاهد
                                        علي لأني في وثاق مضيع [ ص: 329 ]     وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم
                                        وقربت من جذع طويل ممنع     إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي
                                        وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي     فذا العرش صبرني على ما يراد بي
                                        فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                        يبارك على أوصال شلو ممزع     وقد خيروني الكفر والموت دونه
                                        وقد هملت عيناي من غير مجزع     وما بي حذار الموت إني لميت
                                        ولكن حذاري جحم نار ملفع     فوالله ما أرجو إذا مت مسلما
                                        على أي جنب كان في الله مصرعي     فلست بمبد للعدو تخشعا
                                        ولا جزعا إني إلى الله مرجعي

                                        قال: وجعل عاصم يحمل عليهم ويزمجر، وهو يقول:


                                        ما علتي وأنا جلد نابل     والقوس فيها وتر عنابل
                                        [ ص: 330 ] تزل عن صفحتها المعابل     الموت حق والحياة باطل
                                        وكل ما حم الإله نازل     بالمرء والمرء إليه آئل

                                        إن لم أقاتلكم فأمي هابل وزاد موسى بن عقبة : ترأس القوم ولا يقاتل ثم ذكر ابن إسحاق وموسى بن عقبة أبياتا قالها حسان بن ثابت في حديثهم، وفيها كثرة.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية