[ ص: 338 ] باب غزوة بئر معونة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، رحمه الله، قال: حدثنا ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير قال: "فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، ثم ابن إسحاق، بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد". بعث أصحاب
قال حدثنا والدي ابن إسحاق: إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وغيرهما من أهل العلم، قالوا: أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فعرض عليه الإسلام ودعاه [ ص: 339 ] إليه، فلم يسلم، ولم يبعد من الإسلام وقال: يا محمد، لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخشى عليهم أهل نجد" ، فقال أبو البراء: أنا لهم جار، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك. قدم
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين فيهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ونافع بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، في رجال مسلمين من خيار المسلمين.
فساروا حتى نزلوا بئر معونة، وهي من أرض بني عامر وحرة بني سليم، كلا البلدين منها قريب، وهي إلى حرة بني سليم أقرب، فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، حتى عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم، وقال: لن يخفر أبا براء، وقد عقد لهم عقدا [ ص: 340 ] وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان والقارة، فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا أسيافهم ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان في سرح القوم ورجل من الأنصار من عمرو بن أمية الضمري، بني عمرو بن عوف، فلم ينبئهما بمصاب القوم إلا الطير تحوم على المعسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال، فقاتل القوم حتى قتل، وأخذ عمرو أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فيما زعم، وخرج حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، وأقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظل هو فيه، وكان مع العامريين عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا: من أنتما؟ فقالا: من عمرو بن أمية، بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر بما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر، عمرو بن أمية الضمري ، فبلغ ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد [ ص: 341 ] قتلت قتيلين لأدينهما" ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا" أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه، وما أصاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره، وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة.
وقال أبياتا في إخفار حسان بن ثابت عامر أبا براء، فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل، فطعنه في فخذه فأشواه، فوقع من فرسه، وقال: هذا عمل أبي براء، إن أمت فدمي لعمي فلا يتبعن به، وإن أعش فسأرى رأيي ".