وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، رحمه الله قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علون المقرئ ببغداد، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يونس القرشي ، قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، قال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب من أجم السمر طرف بني حارثة حين بلغ المداد، ثم قطع أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاختلف المهاجرون والأنصار في وكان رجلا قويا، فقالت الأنصار: سلمان منا، وقالت المهاجرون: سلمان الفارسي، سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ص: 419 ] . "سلمان منا أهل البيت"
قال عمرو بن عوف : كنت أنا، وسلمان، وحذيفة بن اليمان، والنعمان بن مقرن، وستة من الأنصار، في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا بلغنا فقلنا: يا سلمان، ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة، فإنا إن نعدل عنها فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقي سلمان حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله، بأبينا أنت وأمنا، خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدورة فكسرت حديدنا، وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان في الخندق، ورقينا عن الشقة في شقة الخندق , فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من الثدي أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة، فكسرت حديدنا، وشقت علينا، سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها، يعني لابتي المدينة، حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون.
ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فصدعها، وبرق منها برقة أضاء لها ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح، وكبر المسلمون.
ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثالثة، فكسرها، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح، وكبر المسلمون.
ثم أخذ بيد سلمان فرقي، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد [ ص: 420 ] رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: "هل رأيتم ما يقول سلمان؟" قالوا: نعم يا رسول الله، بأبينا أنت وأمنا، قد رأيناك تضرب، فخرج برق كالموج، فرأيناك تكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، فقال: "صدقتم، ضربت ضربتي الأولى، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.
ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها.
ثم ضربت ضربتي الثالثة، فبرق منها الذي رأيتم، أضاءت منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل عليه السلام . أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر"
فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق بأن الله وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الأحزاب فقال المسلمون: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .
وقال المنافقون: ألا تعجبون: يحدثكم ويمنيكم، ويعدكم بالباطل، يخبركم أنه بصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم تحفرون الخندق، ولا تستطيعون أن تبرزوا؟ وأنزل القرآن: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا .