[ ص: 428 ] باب مجيء الأحزاب ونقض بني قريظة ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير بإسناده الأول - يريد إسناده الذي ذكر في تحزيب الأحزاب - قال: فلما نزل المشركون ابن إسحاق، والمشركون في عشرة آلاف من أحابيشها، ومن تابعهم من خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب عسكره بين الخندق وسلع في ثلاثة آلاف، بني كنانة، وأهل تهامة، وغطفان، ومن اتبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا باب نعمان إلى جانب أحد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره ومن معه إلى سلع، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام، وخرج حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، فلما سمع به كعب أغلق حصنه دونه، فقال: ويحك يا كعب، افتح لي حتى أدخل عليك، فقال: ويحك يا حيي، إنك امرؤ مشئوم، وإنه لا حاجة لي بك، ولا بما جئتني به، إني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء، وقد وادعني ووادعته، فدعني وارجع عني، فلا حاجة لي بك.
فقال: والله إن غلقت دوني إلا عن جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظه، ففتح له، فلما دخل عليه قال : [ ص: 429 ] ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر، بقريش معها قادتها حتى أنزلتها برومة، وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها، حتى أنزلتها إلى جانب أحد، جئتك ببحر طام لا يرده شيء.
فقال: جئتني والله بالذل، وبجهام قد هراق ماؤه ليس منه شيء، ويلك فدعني وما أنا عليه، فإنه لا حاجة لي بك، ولا بما تدعوني إليه.
فلم يزل حيي بن أخطب يفتله في الذروة والغارب حتى أطاع له، وأعطاه حيي العهد والميثاق، لئن رجعت قريش وغطفان قبل أن يصيبوا محمدا لأدخلن معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب العهد، وأظهر البراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما كان بينه وبينه.
قال حدثنا ابن إسحاق: قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن عمر بن قتادة كعب، ونقض بني قريظة، بعث خبر وهو سيد سعد بن عبادة، الخزرج، وسعد بن معاذ، وهو سيد الأوس، وكان معهما فيما يذكرون وهو تبع لهما خوات بن جبير فقال: "ائتوا هؤلاء القوم، فانظروا، فإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فأعلنوه، وإن كانوا على ما بلغنا عنهم، فالحنوا لي عنهم لحنا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد المسلمين". وعبد الله بن رواحة،
[ ص: 430 ] فلما انتهوا إليهم وجدوهم على أخبث ما بلغهم، وقعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا عقد بيننا وبينه ولا عهد، فبادأهم وكان رجلا فيه حد بالمشاتمة، فقال سعد بن عبادة، سعد بن معاذ: دعهم عنك، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبلوا فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عضل والقارة، يريدون ما فعل عضل والقارة بخبيب وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين".
قال حدثنا ابن إسحاق: ، عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا ومن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة، وفي ذلك ففعلا.
فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله، أمر تحته فنصنعه، أو شيء أمرك الله به لا بد لنا من عمل به، أم شيء تصنعه لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا بل لكم والله ما أصنع ذلك، إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب؛ فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم" ، فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو شراء، فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا، مالنا [ ص: 431 ] بهذا حاجة، فوالله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنت وذاك" فتناول سعد الصحيفة فمحاها ثم قال: ليجهدوا علينا، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدوهم محاصروهم.