[ ص: 224 ] باب كيف كان الخروج إلى أحد، والقتال بين المسلمين والمشركين يومئذ
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير محمد بن إسحاق ، قال: قال محمد بن شهاب الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، كل قد حدث بعض الحديث، عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم فيما سقت، قالوا: لما أصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرا ممن أصاب منا، ففعلوا [ ص: 225 ] ، ففيهم إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله إلى قوله: أنزل الله عز وجل: إلى جهنم يحشرون .
فلما اجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحابيشها ومن أطاعها من بني كنانة وأهل تهامة، خرجوا معهم بالظعين التماس الحفيظة وأن لا يفروا، فخرجوا حتى نزلوا يعنين ببطن السبخة على شفير واد مما يلي المدينة.
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: "إني قد رأيت بقرا تذبح، وأولتها خيرا، ورأيت في ذؤابة [ ص: 226 ] سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة.
فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلتموهم فيها" .
قال رجال من المسلمين ممن أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد، وغيرهم ممن كان فاته يوم بدر ممن حضره: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم، فقال عبد الله بن أبي: أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم، فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له: مالك بن عمرو، أحد بني النجار، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج عليهم، وقد ندم الناس فقالوا: استكرهناك يا رسول الله، ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ينبغي للنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي المنافق بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، قال: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر كيفية مسيره، قال: فصفهم ولواؤه يومئذ مع رضي الله عنه حين غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مع من لواء القوم؟" قالوا: مع طلحة بن أبي طلحة أخي بني عبد الدار، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالوفاء منهم" ، فدعا مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فأعطاه اللواء [ ص: 227 ] ، ثم إن رجلا من المشركين خرج يوم علي بن أبي طالب أحد فدعا إلى البراز، فأحجم الناس عنه حتى دعا ثلاثا، وهو على جمل له، فقام إليه فوثب عليه وهو على بعيره فاستوى معه على رحله، ثم عانقه فأقبلا فوق البعير جميعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزبير بن العوام "الذي يلي حضيض الأرض مقتول" ، فوقع المشرك ووقع الزبير عليه فذبحه بسيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادن يا ابن صفية، فلقد قمت وإني لأهم بالقيام إليه" ، وذلك لما رأى من إحجام القوم عنه، ثم قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير فأجلسه على فخذه وقال: "إن لكل نبي حواريا والزبير حواري" .
قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، والرماة خمسون رجلا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك" ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بين درعين.
قال فالتقوا يوم السبت للنصف من شوال، واقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل ابن إسحاق: حتى أمعن في الناس، أبو دجانة وحمزة بن عبد المطلب، في رجال من المسلمين، وأنزل الله عز وجل نصره، وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها. وعلي بن أبي طالب