فالأول : العفرة في الألوان ، وهو أن يضرب إلى غبرة في حمرة; ولذلك سمي التراب العفر . يقال : عفرت الشيء في التراب تعفيرا . واعتفر الشيء : سقط في العفر . قال الشاعر يصف ذوائب المرأة ، وأنها إذا أرسلتها سقطت على الأرض .
[ ص: 63 ]
تهلك المدراة في أكنافه وإذا ما أرسلته يعتفر
قال : العفر ظاهر تراب الأرض ، بفتح الفاء ، وتسكينها . قال : " والفتح اللغة العالية " . ابن دريد
ويقال للظبي أعفر للونه . قال :
يقول لي الأنباط إذ أنا ساقط به لا بظبي في الصريمة أعفرا
قال : وإنما ينسب إلى اسم التراب . وكذلك الرمل الأعفر . قال : واليعفور الخشف ، سمي بذلك لكثرة لزوقه بالأرض . قال : " العفير لحم يجفف على الرمل في الشمس " . ابن دريد
ومن الباب : شربت سويقا عفيرا ، وذلك إذا لم يلت بزيت ولا سمن .
فأما الذي قاله من قولهم : " وقعوا في عافور شر " مثل عاثور ، فممكن أن يكون من العفر ، وهو التراب ، وممكن أن يكون الفاء مبدلة من ثاء . وقد قال ابن الأعرابي ، : إن ذلك مشتق من عفره ، أي صرعه ومرغه في التراب . وأنشد : ابن الأعرابي
جاءت بشر مجنب عافور
[ ص: 64 ] فأما ما رواه أبو عبيدة أن العفر : بذر الناس الحبوب ، فيقولون عفروا أي بذروا ، فيجوز أن يكون من هذا; لأن ذلك يلقى في التراب .
قال : وروي في حديث عن الأصمعي هلال بن أمية : " ما قربت امرأتي منذ عفرنا " .
ثم يحمل على هذا العفار ، وهو إبار النخل وتلقيحه . وقد قيل في عفار النخل غير هذا ، وقد ذكر في موضعه .
و قال : العفر : الليالي البيض . ويقال لليلة ثلاث عشرة من الشهر عفراء ، وهي التي يقال لها ليلة السواء . ويقال إن العفر : الغنم البيض الجرد ، يقال قوم معفرون ومضيئون . قال : ابن الأعرابي وهذيل معفرة ، وليس في العرب قبيلة معفرة غيرها .
ويقولون : ما على عفر الأرض مثله ، أي على وجهها .
ومن الباب أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، . كان إذا سلم جافى عضديه عن جنبيه حتى يرى من خلفه عفرة إبطيه
وأما الأصل الثاني فالعفار ، وهو شجر كثير النار تتخذ منه الزناد ، الواحدة عفارة . ومن أمثالهم : " اقدح بعفار أو مرخ ، واشدد إن شئت أو أرخ " .
قال الأعشى :
زنادك خير زناد الملو ك خالط منهن مرخ عفارا
ولعل المرأة سميت " عفارة " بذلك . قال الأعشى :
[ ص: 65 ]
بانت لتحزننا عفاره يا جارتا ما أنت جاره
وكذلك " عفيرة " . وقال بعضهم : العفر : جمع العفار من الشجر الذي ذكرناه . وأنشدوا :
قد كان في هاشم في بيت محضهم وارى الزناد إذا ما أصلد العفر
ويقولون : " في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار " ، أي إنهما أخذا من النار ما أحسبهما .
والأصل الثالث : الشدة والقوة . قال الخليل : رجل عفر بين العفارة ، يوصف بالشيطنة ، ويقال : شيطان عفرية وعفريت ، وهم العفارية والعفاريت . ويقال إنه الكيس الظريف . وإن شئت فعفر وأعفار ، وهو المتمرد . وإنما أخذ من الشدة والبسالة . يقال للأسد عفر وعفرنى ، ويقال للخبيث عفرين ، وهم العفرون . وأسد عفرنى ولبؤة عفرناة ، أي شديدة . قال :
بذات لوث عفرناة إذا عثرت فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا
[ ص: 66 ] قال الخليل : ويسمون الرجل الكامل من أبناء الخمسين : ليث عفرين . يقولون : " ابن العشر لعاب بالقلين ، وابن العشرين باغي نسين ، وابن ثلاثين أسعى الساعين ، وابن الأربعين أبطش الباطشين ، وابن الخمسين ليث عفرين ، وابن ستين مؤنس الجليسين ، وابن السبعين أحكم الحاكمين ، وابن الثمانين أسرع الحاسبين; وابن التسعين واحد الأرذلين ، وابن المائة لا جاء ولا ساء " ، يقول : لا رجل ولا امرأة .
قال أبو عبيد : العفرية النفرية : الخبيث المنكر . وهو مثل العفر ، يقال رجل عفر ، وامرأة عفرة .
وفي الحديث : إن الله - تعالى - يبغض العفرية النفرية ، الذي لم يرزأ في ماله وجسمه . قال : وهو المصحح الذي لا يكاد يمرض .
وزعم بعضهم أن العفرفر مثل العفرنى من الأسود ، وهو الذي يصرع قرنه ويعفر . فإذا كان صحيحا فقد عاد هذا الباب إلى الباب الأول . وأنشد :
إذا مشى في الحلق المخصر وبيضة واسعة ومغفر
يهوس هوس الأسد العفرفر
ويقال إن عفار : اسم رجل ، وإنه مشتق من هذا ، وكان ينسب إليه النصال . قال :
[ ص: 67 ]
نصل عفاري شديد عيره لم يبق م النصال عاد غيره
ويقال للعفر عفارية أيضا . قال جرير :
قرنت الظالمين بمرمريس يذل له العفارية المريد
والأصل الرابع من الزمان قولهم : لقيته عن عفر : أي بعد شهر . ويقال للرجل إذا كان له شرف قديم : ما شرفك عن عفر ، أي هو قديم غير حديث .
قال كثير :
ولم يك عن عفر تفرعك العلى ولكن مواريث الجدود تؤولها
أي تصلحها وتربها وتسوسها .
ويقال في عفار النخل : إن النخل كان يترك بعد التلقيح أربعين يوما لا يسقى .
قالوا : ومن هذا الباب التعفير : وهو أن ترضع المطفل ولدها ساعة وتتركه ساعة . قال لبيد :
لمعفر قهد تنازع شلوه غبر كواسب لا يمن طعامها
وحكي عن الفراء أن العفير من النساء هي التي لا تهدي لأحد شيئا . قال : وهو مأخوذ من التعفير الذي ذكرناه . وهذا الذي قاله الفراء بعيد من الذي [ ص: 68 ] شبه به ، ولعل العفير هي التي كانت هديتها تدوم وتتصل ، ثم صارت تهدى في الوقت . وهذا على القياس صحيح ، ومما يدل على هذا البيت الذي ذكر الفراء للكميت :
وإذا الخرد اغبررن من المح ل وصارت مهداؤهن عفيرا
فالمهداء التي من شأنها الإهداء ، ثم عادت عفيرا لا تديم الهدية والإهداء .
وأما الخامس فيقولون : إن العفرية والعفراة واحدة ، وهي شعر وسط الرأس . وأنشد :
قد صعد الدهر إلى عفراته فاحتصها بشفرتي مبراته
وهي لغة في العفرية ، كناصية وناصاة . وقد يقولون على التشبيه لعرف الديك : عفرية . قال :
كعفرية الغيور من الدجاج
أي من الديكة . قال أبو زيد : شعر القفا من الإنسان العفرية .