الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عقد ) العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق ، وإليه ترجع فروع الباب كلها .

                                                          من ذلك عقد البناء ، والجمع أعقاد وعقود . قال الخليل : ولم أسمع له فعلا . ولو قيل عقد تعقيدا ، أي بنى عقدا لجاز . وعقدت الحبل أعقده عقدا ، وقد انعقد ، وتلك هي العقدة .

                                                          ومما يرجع إلى هذا المعنى لكنه يزاد فيه للفصل بين المعاني : أعقدت العسل وانعقد ، وعسل عقيد ومنعقد . قال :


                                                          كأن ربا سال بعد الإعقاد على لديدي مصمئل صلخاد



                                                          وعاقدته مثل عاهدته ، وهو العقد والجمع عقود . قال الله - تعالى : أوفوا بالعقود ، والعقد : عقد اليمين ، [ ومنه ] قوله - تعالى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان . وعقدة النكاح وكل شيء : وجوبه وإبرامه . والعقدة في البيع : إيجابه . والعقدة : الضيعة ، والجمع عقد . يقال اعتقد فلان عقدة ، أي اتخذها . واعتقد مالا وأخا ، أي اقتناه . وعقد قلبه على كذا فلا ينزع عنه . واعتقد الشيء : [ ص: 87 ] صلب . واعتقد الإخاء : ثبت . والعقيد : طعام يعقد بعسل . والمعاقد : مواضع العقد من النظام . قال :

                                                          معاقد سلكه لم توصل

                                                          وعقد القلادة ما يكون طوار العنق ، أي مقداره . قال الدريدي : " المعقاد خيط تنظم فيه خرزات " .

                                                          قال الخليل : عقد الرمل : ما تراكم واجتمع ، والجمع أعقاد . وقلما يقال عقد وعقدات ، وهو جائز . قال ذو الرمة :

                                                          بين النهار وبين الليل من عقد     على جوانبه الأسباط والهدب



                                                          ومن أمثالهم : " أحمق من ترب العقد " يعنون عقد الرمل; وحمقه أنه لا يثبت فيه التراب ، إنما ينهار . و " هو أعطش من عقد الرمل " ، و " أشرب من عقد الرمل " أي إنه يتشرب كل ما أصابه من مطر ودثة .

                                                          قال الخليل : ناقة عاقد ، إذا عقدت .

                                                          قال ابن الأعرابي : العقدة من الشجر : ما يكفي المال سنته . قال غيره : [ ص: 88 ] العقدة من الشجر : ما اجتمع وثبت أصله . ويقال للمكان الذي يكثر شجره عقدة أيضا . وكل الذي قيل في عقدة الشجر والنبت فهو عائد إلى هذا . ولا معنى لتكثير الباب بالتكرير .

                                                          ويقولون : " هو آلف من غراب العقدة " . ولا يطير غرابها . والمعنى أنه يجد ما يريده فيها .

                                                          ويقال : اعتقدت الأرض حيا سنتها ، وذلك إذا مطرت حتى يحفر الحافر الثرى فتذهب يده فيه حتى يمس الأرض بأذنه وهو يحفر والثرى جعد .

                                                          قال ابن الأعرابي : عقد الدور والأرضين مأخوذة من عقد الكلأ; لأن فيها بلاغا وكفاية . وعقد الكرم ، إذا رأيت عوده قد يبس ماؤه وانتهى . وعقد الإفط . ويقال إن عكد اللسان ، ويقال له عقد أيضا ، هو الغلظ في وسطه . وعقد الرجل ، إذا كانت في لسانه عقدة ، فهو أعقد .

                                                          ويقال ظبية عاقد ، إذا كانت تلوي عنقها ، والأعقد من التيوس والظباء : الذي في قرنه عقدة أو عقد ، قال النابغة في الظباء العواقد :

                                                          ويضربن بالأيدي وراء براغز     حسان الوجوه كالظباء العواقد

                                                          ومن الباب ما حكاه ابن السكيت : لئيم أعقد ، إذا لم يكن سهل الخلق . قال الطرماح :


                                                          ولو أني أشاء حدوت قولا     على أعلامه المتبينات
                                                          [ ص: 89 ] لأعقد مقرف الطرفين بيني     عشيرته له خزي الحياة



                                                          يقال إن الأعقد الكلب ، شبهه به .

                                                          ومن الباب : ناقة معقودة القرى ، أي موثقة الظهر . وأنشد :


                                                          موترة الأنساء معقودة القرى     ذقونا إذا كل العتاق المراسل



                                                          وجمل عقد ، أي ممر الخلق . قال النابغة :

                                                          فكيف مزارها إلا بعقد     ممر ليس ينقضه الخؤون

                                                          ويقال : تعقد السحاب ، إذا صار كأنه عقد مضروب مبني . ويقال للرجل : " قد تحللت عقده " ، إذا سكن غضبه . ويقال : " قد عقد ناصيته " ، إذا غضب فتهيأ للشر . قال :


                                                          بأسواط قوم عاقدين النواصيا



                                                          ويقال : تعاقدت الكلاب ، إذا تعاظلت . قال الدريدي : " عقد فلان كلامه ، إذا عماه وأعوصه " . ويقال : إن المعقد الساحر . قال :


                                                          يعقد سحر البابليين طرفها     مرارا وتسقينا سلافا من الخمر



                                                          وإنما قيل ذلك لأنه يعقد السحر . وقد جاء في كتاب الله - تعالى : ومن شر النفاثات في العقد : من السواحر اللواتي يعقدن في الخيوط . ويقال إذا أطبق الوادي على قوم فأهلكهم : عقد عليهم .

                                                          [ ص: 90 ] ومما يشبه هذا الأصل قولهم للقصير أعقد . وإنما قيل له ذلك لأنه كأنه عقدة . والعقد : القصار . قال :


                                                          ماذية الخرصان زرق نصالها     إذا سددوها غير عقد ولا عصل



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية