الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عرك ) العين والراء والكاف أصل واحد صحيح يدل على ذلك وما أشبهه من تمريس شيء بشيء أو تمرسه به . قال الخليل : عركت الأديم عركا ، إذا دلكته دلكا . وعركت القوم في الحرب عركا . قال زهير :

                                                          [ ص: 290 ]

                                                          فتعرككم عرك الرحى بثفالها وتلقح كشافا ثم تحمل فتتئم



                                                          ومن الباب : اعترك القوم في القتال ، وذلك تمرس بعضهم ببعض وعرك بعضهم بعضا ، وذلك المكان معترك ومعتركة . وقال الخليل : رجل عرك وقوم عركون ، وهم الأشداء في الصراع .

                                                          ومن الباب وإنما زيد في حروفه ابتغاء زيادة في معناه - قولهم : عركرك ، أي غليظ شديد صبور . قال :


                                                          لا تشهد الورد بكل حائر     إلا بفعم المنكبين حادر



                                                          عركرك يملأ عين الناظر

                                                          ويقال : رجل عرك : حلس لا يبرح القتال . وعريكة البعير : سنامه ، وذلك أن الحمل يعركه . قال ذو الرمة :


                                                          خفاف الخطى مطلنفئات العرائك



                                                          مطلنفئة : لاصقة بالأرض . ويقال : ناقة عروك ، مثل اللموس ، وذلك إذا كان عليها وبر فلا يرى طرقها تحت الوبر حتى يلمس . وعركت الشاة أيضا ، إذا جسستها . قال : ولا تكون المرة والمرتان عركا ، وإنما يكون ذلك إذا [ ص: 291 ] بولغ في الجس . وتقول : لقيته عركات ، أي مرات وهذا على معنى التمثيل بعركات الجس .

                                                          قال الخليل : والعرك : عرك المرفق الجنب ، من الضاغط يكون بالبعير . قال الطرماح :


                                                          قليل العرك يهجو مرفقاها



                                                          فأما قولهم : هو لين العريكة ، فقال الخليل : فلان لين العريكة ، إذا لم يكن ذا إباء ، وكان سلسا . وقال ابن الأعرابي : العريكة : شدة النفس . قال :


                                                          خرجها صوارم كل يوم     فقد جعلت عرائكها تلين



                                                          خرجها : هذبها وأدبها كما يتخرج الإنسان ، وهذا كله راجع إلى ما تقدم ذكره من عريكة السنام .

                                                          فأما الملاحون فهم العرك ، يقال عركي للواحد وعرك للجمع ، مثل عربي وعرب . قال زهير :


                                                          يغشى الحداة بهم وعث الكثيب كما     يغشي السفائن موج اللجة العرك



                                                          وإنما سموا عركا لمعاركتهم الماء والسفن .

                                                          [ ص: 292 ] ويقال : أرض معروكة ، إذا عركتها السائمة وأكلت نباتها .

                                                          ومن الباب : العراك في الورد . ويقال ماء معروك ، أي مزدحم عليه . وهو القياس ، لأن المورد إذا أورد إبله أجمع تزاحمت وتعاركت . قال لبيد :


                                                          فأوردها العراك ولم يذدها     ولم يشفق على نغص الدخال



                                                          ومن أمثالهم : " عارك بجذع أو دع " .

                                                          فأما العارك فإنها الحائض ، وممكن أن يكون من قياسه أن تكون معانية ، لما تعانيه من نفاسها ودمها ، وكأنها تعارك شيئا . يقال امرأة عارك ونساء عوارك . قالت الخنساء :


                                                          لن تغسلوا أبدا عارا أظلكم     غسل العوارك حيضا بعد إطهار



                                                          يقال منه : عركت تعرك عركا وعراكا فهي عارك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية