الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عهد ) العين والهاء والدال أصل هذا الباب عندنا دال على معنى واحد ، قد أومأ إليه الخليل . قال : أصله الاحتفاظ بالشيء وإحداث العهد به . والذي ذكره من الاحتفاظ هو المعنى الذي يرجع إليه فروع الباب . فمن ذلك قولهم عهد الرجل يعهد عهدا ، وهو من الوصية . وإنما سميت بذلك لأن العهد مما ينبغي الاحتفاظ به . ومنه اشتقاق العهد الذي يكتب للولاة من الوصية ، وجمعه عهود . والعهد : الموثق ، وجمعه عهود . ومن الباب العهد الذي معناه الالتقاء والإلمام ، يقال : هو قريب العهد به ، وذلك أن إلمامه به احتفاظ به وإقبال .

                                                          [ ص: 168 ] [ و ] العهيد : الشيء الذي قدم عهده . والعهد : المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتووا عنه يرجعون إليه . قال رؤبة :


                                                          هل تعرف العهد المحيل أرسمه عفت عوافيه وطال قدمه



                                                          والمعهد مثل ذلك ، وجمعه معاهد . وأهل العهد هم المعاهدون ، والمصدر المعاهدة ، أي إنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية . والقياس واحد ، كأنه أمر يحتفظ به لهم ، فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم المعاهدة . وذكر الخليل أن الاعتهاد مثل التعاهد والتعهد ، وأنشد للطرماح :


                                                          ويضيع الذي قد أوجبه     الله عليه فليس يتعهده



                                                          وقال أيضا : عهيدك : الذي يعاهدك وتعاهده . وأنشد :


                                                          فللترك أوفى من نزار بعهدها     فلا يأمنن الغدر يوما عهيدها



                                                          ومن الباب : العهدة : الكتاب الذي يستوثق به في البيعات . ويقولون : إن في هذا الأمر لعهدة ما أحكمت ، والمعنى أنه قد بقي فيه ما ينبغي التوثق له . ومن الباب قولهم : " الملسى لا عهدة " ، يقوله المتبايعان ، أي تملسنا عن إحكام فلم يبق في الأمر ما يحتاج إلى تعهد بإحكام . ويقولون : " في أمره عهدة " ، يومئون إلى الضعف ، وإنما يريدون بذلك ما قد فسرناه .

                                                          [ ص: 169 ] قال الخليل : تعهد فلان الشيء وتعاهد . قال أبو حاتم : تعهدت ضيعتي ، ولا يقال تعاهدت; لأن التعاهد لا يكون إلا من اثنين . قلنا : والخليل على كل حال أعرف بكلام العرب من النضر . على أنه يقال قد تغافل عن كذا ، وتجاوز عن كذا ، وليس هذا من اثنين . وربما سموا الاشتراط استعهادا ، وإنما سمي كذا لأن الشرط مما ينبغي الاحتفاظ به إذا شرط . قال :


                                                          وما استعهد الأقوام من زوج حرة     من الناس إلا منك أو من محارب



                                                          وفي كتاب الله - تعالى : ألم أعهد إليكم ، ومعناه والله أعلم : ألم أقدم إليكم من الأمر الذي أوجبت عليكم الاحتفاظ به .

                                                          فهذا الذي ذكرناه من أول الباب إلى حيث انتهينا مطرد في القياس الذي قسناه . وبقي في الباب : العهد من المطر ، وهو عندنا من القياس الذي ذكرناه ، وذلك أن العهد على ما ذكره الخليل ، هو من المطر الذي يأتي بعد الوسمي ، وهو الذي يسميه الناس الولي . وإذا كان كذا كان قياسه قياس قولنا : هو يتعهد أمره وضيعته ، كأن المطر وسم الأرض أولا وتعهدها ثانيا ، أي احتفظ بها فأتاها [ ص: 170 ] وأقبل عليها . قال الخليل : وذلك أن يمضي الوسمي ثم يردفه الربيع بمطر بعد مطر ، يدرك آخره بلل أوله ودموثته . قال : وهو العهد ، والجمع عهاد . وقال : ويقال : كل مطر يكون بعد مطر فهو عهاد . وعهدت الروضة ، وهذه روضة معهودة : أصابها عهاد من مطر . قال الطرماح :


                                                          عقائل رملة نازعن منها     دفوف أقاح معهود ودين



                                                          المعهود : الممطور . وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          ترى السحاب العهد والفتوحا



                                                          الفتوح : جمع فتح ، وهو المطر الواسع . وقال غير هؤلاء : العهاد : أول الربيع قبل أن يشتد القر ، الواحدة عهدة . وكان بعض العرب يقول : العهاد من الوسمي ، وأوائل الأمطار يكون ذخرا في الأرض ، تضرب لها العروق ، وتسبط الأرض بالخضرة ، فإن كانت لها أولية وتبعات فهي الحياء ، وإلا فليست بشيء .

                                                          ويقولون : كان ذلك على عهد فلان وعهدانه . وأنشدوا :


                                                          لست سليمان كعهدانك



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية