الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عبد ) العين والباء والدال أصلان صحيحان ، كأنهما متضادان ، و [ الأول ] من ذينك الأصلين يدل على لين وذل ، والآخر على شدة وغلظ .

                                                          فالأول العبد ، وهو المملوك ، والجماعة العبيد ، وثلاثة أعبد وهم العباد . قال الخليل : إلا أن العامة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله والعبيد المملوكين . يقال هذا عبد بين العبودة . ولم نسمعهم يشتقون منه فعلا ، ولو اشتق لقيل عبد ، أي صار عبدا وأقر بالعبودة ، ولكنه أميت الفعل فلم يستعمل . قال : وأما عبد يعبد عبادة فلا يقال إلا لمن يعبد الله - تعالى . يقال منه عبد يعبد عبادة ، وتعبد يتعبد [ ص: 206 ] تعبدا . فالمتعبد : المتفرد بالعبادة . واستعبدت فلانا : اتخذته عبدا . وأما عبد في معنى خدم مولاه فلا يقال عبده ، ولا يقال يعبد مولاه . وتعبد فلان فلانا ، إذا صيره كالعبد له وإن كان حرا . قال :


                                                          تعبدني نمر بن سعد وقد أرى ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع



                                                          ويقال : أعبد فلان فلانا ، أي جعله عبدا . ويقال للمشركين : عبدة الطاغوت والأوثان ، وللمسلمين : عباد يعبدون الله - تعالى - . وذكر بعضهم : عابد وعبد ، كخادم وخدم . وتأنيث العبد عبدة ، كما يقال مملوك ومملوكة . قال الخليل : والعبداء : جماعة العبيد الذين ولدوا في العبودة .

                                                          ومن الباب البعير المعبد ، أي المهنوء بالقطران . وهذا أيضا يدل على ما قلناه لأن ذلك يذله ويخفض منه . قال طرفة :


                                                          إلى أن تحامتني العشيرة كلها     وأفردت إفراد البعير المعبد



                                                          والمعبد : الذلول ، يوصف به البعير أيضا .

                                                          ومن الباب : الطريق المعبد ، وهو المسلوك المذلل .

                                                          والأصل الآخر العبدة ، وهي القوة والصلابة; يقال هذا ثوب له عبدة ، إذا كان صفيقا قويا . ومنه علقمة بن عبدة ، بفتح الباء .

                                                          [ ص: 207 ] ومن هذا القياس العبد ، مثل الأنف والحمية . يقال : هو يعبد لهذا الأمر . وفسر قوله - تعالى - : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، أي أول من غضب عن هذا وأنف من قوله . وذكر عن علي - عليه السلام - أنه قال : " عبدت فصمت " ، أي أنفت فسكت . وقال :


                                                          ويعبد الجاهل الجافي بحقهم     بعد القضاء عليه حين لا عبد



                                                          وقال آخر :


                                                          وأعبد أن تهجى كليب بدارم



                                                          أي آنف من ذلك وأغضب منه :

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية