الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عقر ) العين والقاف والراء أصلان متباعد ما بينهما ، وكل واحد منهما مطرد في معناه ، جامع لمعاني فروعه .

                                                          فالأول الجرح أو ما يشبه الجرح من الهزم في الشيء . والثاني دال على ثبات ودوام .

                                                          فالأول قول الخليل : العقر كالجرح ، يقال : عقرت الفرس ، أي كسعت قوائمه بالسيف . وفرس عقير ومعقور . وخيل عقرى . قال زياد :


                                                          وإذا مررت بقبره فاعقر به كوم الهجان وكل طرف سابح



                                                          وقال لبيد :


                                                          لما رأى لبد النسور تطايرت     رفع القوادم كالعقير الأعزل



                                                          شبه النسر بالفرس المعقور . وتعقر الناقة حتى تسقط ، فإذا سقطت نحرها مستمكنا منها . قال امرؤ القيس :


                                                          ويوم عقرت للعذارى مطيتي     فيا عجبا لرحلها المتحمل



                                                          [ ص: 91 ] والعقار : الذي يعنف بالإبل لا يرفق بها في أقتابها فتدبرها . وعقرت ظهر الدابة : أدبرته . قال امرؤ القيس :


                                                          تقول وقد مال الغبيط بنا معا     عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل



                                                          وقول القائل : عقرت بي ، أي أطلت حبسي ، ليس هذا تلخيص الكلام ، إنما معناه حبسه حتى كأنه عقر ناقته فهو لا يقدر على السير . وكذلك قول القائل :


                                                          قد عقرت بالقوم أم الخزرج     إذا مشت سالت ولم تدحرج



                                                          ويقال تعقر الغيث : أقام ، كأنه شيء قد عقر فلا يبرح . ومن الباب : العاقر من النساء ، وهي التي لا تحمل . وذلك أنها كالمعقورة . ونسوة عواقر ، والفعل عقرت تعقر عقرا ، وعقرت تعقر أحسن . قال الخليل : لأن ذلك شيء ينزل بها من غيرها ، وليس هو من فعلها بنفسها . وفي الحديث : " عجز عقر " .

                                                          قال أبو زيد : عقرت المرأة وعقرت ، ورجل عاقر ، وكان القياس عقرت لأنه لازم ، كقولك : ظرف وكرم .

                                                          وفي المثل : " أعقر من بغلة " . وقول الشاعر يصف عقابا :

                                                          [ ص: 92 ]

                                                          لها ناهض في الوكر قد مهدت له     كما مهدت للبعل حسناء عاقر



                                                          وذلك أن العاقر أشد تصنعا للزوج وأحفى به ، لأنه [ لا ] ولد لها تدل بها ، ولا يشغلها عنه .

                                                          ويقولون : لقحت الناقة عن عقر ، أي بعد حيال ، كما يقال عن عقم .

                                                          ومما حمل على هذا قولهم لدية فرج المرأة عقر ، وذلك إذا غصبت . وهذا مما تستعمله العرب في تسمية الشيء باسم الشيء ، إذا كانا متقاربين . فسمي المهر عقرا ، لأنه يؤخذ بالعقر . وقولهم : " بيضة العقر " اسم لآخر بيضة تكون من الدجاجة فلا تبيض بعدها ، فتضرب مثلا لكل شيء لا يكون بعده شيء من جنسه .

                                                          قال الخليل : سمعت أعرابيا من أهل الصمان يقول : كل فرجة بين شيئين فهو عقر وعقر ، ووضع يده على قائمتي المائدة ونحن نتغدى فقال : ما بينهما عقر . ويقال النخلة تعقر ، أي يقطع رأسها فلا يخرج من ساقها أبدا شيء . فذلك العقر ، ونخلة عقرة . ويقال كلأ عقار ، أي يعقر الإبل ويقتلها .

                                                          وأما قولهم : رفع عقيرته ، إذا تغنى أو قرأ ، فهذا أيضا من باب المجاورة ، وذلك فيما يقال رجل قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى وصرخ بأعلى صوته ، ثم قيل ذلك لكل من رفع صوته . والعقيرة هي الرجل المعقورة ، ولما كان رفع الصوت عندها سمي الصوت بها .

                                                          فأما قولهم : ما رأيت عقيرة كفلان ، يراد الرجل الشريف ، فالأصل في [ ص: 93 ] ذلك أن يقال للرجل القتيل الكبير الخطير : ما رأيت كاليوم عقيرة وسط قوم ! قال :


                                                          إذا الخيل أجلى شاؤها     فقد عقر خير من يعقره عاقر



                                                          قال الخليل : يقال في الشتيمة : عقرا له وجدعا . ويقال للمرأة حلقى عقرى . يقول : عقرها الله ، أي عقر جسدها; وحلقها ، أي أصابها بوجع في حلقها . وقال قوم : توصف بالشؤم ، أي إنها تحلق قومها وتعقرهم . ويقال عقرت الرجل ، إذا قلت له : عقرى حلقى . وحكي عن بعض الأعراب : " ما نتشت الرقعة ولا عقرتها " أي ولا أتيت عليها . والرقعة : الكلأ المتلبد . يقال كلؤها ينتش ولا يعقر .

                                                          ويقولون : عقرة العلم النسيان ، على وزن تخمة ، أي إنه يعقره . وأخلاط الدواء يقال لها العقاقير ، واحدها عقار . وسمي بذلك لأنه كأنه عقر الجوف . ويقال العقر : داء يأخذ الإنسان عند الروع فلا يقدر أن يبرح ، وتسلمه رجلاه .

                                                          قال الخليل : سرج معقر ، وكلب عقور .

                                                          قال ابن السكيت : كلب عقور ، وسرج عقرة ومعقر . قال البعيث :


                                                          ألح على أكتافهم قتب عقر



                                                          [ ص: 94 ] ويقال سرج معقر وعقار ومعقار .

                                                          وأما الأصل الآخر فالعقر القصر الذي يكون معتمدا لأهل القرية يلجؤون إليه . قال لبيد :


                                                          كعقر الهاجري إذ ابتناه     بأشباه حذين على مثال



                                                          الأشباه : الآجر ; لأنها مضروبة على مثال واحد .

                                                          قال أبو عبيد : العقر كل بناء مرتفع . قال الخليل : عقر الدار : محلة القوم بين الدار والحوض ، كان هناك بناء أو لم يكن . وأنشد لأوس بن مغراء :


                                                          أزمان سقناهم عن عقر دارهم     حتى استقر وأدناهم لحورانا



                                                          قال : والعقر أصل كل شيء . وعقر الحوض : موقف الإبل إذا وردت . قال ذو الرمة :

                                                          بأعقاره القردان هزلى كأنها نوادر صيصاء الهبيد المحطم

                                                          يعني أعقار الحوض . وقال في عقر الحوض :


                                                          فرماها في فرائصها من إزاء الحوض أو عقره



                                                          ويقال للناقة التي تشرب من عقر الحوض عقرة ، وللتي تشرب من إزائه أزية .

                                                          ومن الباب عقر النار : مجتمع جمرها . قال :

                                                          [ ص: 95 ]


                                                          وفي قعر الكنانة مرهفات     كأن ظباتها عقر بعيج



                                                          قال الخليل : العقار : ضيعة الرجل ، والجمع العقارات . يقال ليس له دار ولا عقار . قال ابن الأعرابي : العقار هو المتاع المصون ، ورجل معقر : كثير المتاع .

                                                          قال أبو محمد القتيبي : العقيرى اسم مبني من عقر الدار ، ومنه حديث أم سلمة لعائشة : " سكني عقيراك فلا تصحريها " ، تريد الزمي بيتك .

                                                          ومما شبه بالعقر ، وهو القصر ، العقر : غيم ينشأ من قبل العين فيغشى عين الشمس وما حولها . قال حميد :

                                                          فإذا احزألت في المناخ رأيتها كالعقر أفرده العماء الممطر

                                                          وقد قيل إن الخمر تسمى عقارا لأنها عاقرت الدن ، أي لازمته . والعاقر من الرمل : ما ينبت شيئا كأنه طحين منخول . وهذا هو الأصل الثاني .

                                                          وقد بقيت أسماء مواضع لعلها تكون مشتقة من بعض ما ذكرناه .

                                                          من ذلك عقاراء : موضع ، قال حميد :


                                                          ركود الحميا طلة شاب ماءها     بها من عقاراء الكروم ربيب



                                                          [ ص: 96 ] والعقر : موضع ببابل ، قتل فيه يزيد بن المهلب ، يقال لذلك اليوم يوم العقر . قال الطرماح :

                                                          فخرت بيوم العقر شرقي بابل وقد جبنت فيه تميم وقلت

                                                          وعقرى : ماء . قال :


                                                          ألا هل أتى سلمى بأن خليلها     على ماء عقرى فوق إحدى الرواحل



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية