الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عصب ) العين والصاد والباء أصل صحيح واحد يدل على ربط شيء بشيء ، مستطيلا أو مستديرا . ثم يفرع ذلك فروعا ، وكله راجع إلى قياس واحد .

                                                          من ذلك العصب . قال الخليل : هي أطناب المفاصل التي تلائم بينها ، وليس بالعقب . ويقال : لحم عصب ، أي صلب مكتنز كثير العصب . وفلان معصوب الخلق ، أي شديد اكتناز اللحم . وهو حسن العصب ، وامرأة حسنة العصب . والعصب : الطي الشديد . ورجل معصوب الخلق كأنما لوي ليا . قال حسان :


                                                          ذروا التخاجئ وامشوا مشية سجحا إن الرجال ذوو عصب وتذكير



                                                          وإنما سمي العصيب من أمعاء الشاء لأنه معصوب مطوي . فأما قولهم للجائع معصوب ، فقال قوم : هو الذي تكاد أمعاؤه تعصب ، أي تيبس . وليس هذا بشيء ، إنما المعصوب الذي عصب بطنه من الجوع . ويقال : عصبهم ، إذا جوعهم .

                                                          قال ابن الأعرابي : المعصب : المحتاج ، من قولهم عصبه الجوع ، وليس هو الذي ربط حجرا أو غيره . وقال أبو عبيد : المعصب الذي يتعصب من الجوع [ ص: 337 ] بالخرق . والقول ما قاله أبو عبيد ، للقياس الذي قسناه ، ولأن قوله أشهر عند أهل العلم .

                                                          وقال أبو زيد : المعصب : الذي عصبته السنون ، أي أكلت ماله ، وهذا صحيح ، وتلخيصه أنها ذهبت بماله فصار بمنزلة الجائع الذي يلجأ إلى التعصب بالخرق . وقال الخليل : والعصب من البرود : يعصب ، أي يدرج غزله ، ثم يصبغ ثم يحاك . قال : ولا يجمع ، إنما يقال برد عصب وبرود عصب ; لأنه مضاف إلى الفعل .

                                                          ومن الباب : العصابة : الشيء يعصب به الرأس من صداع . لا يقال إلا عصابة بالهاء ، وما شددت به غير الرأس فهو عصاب بغير هاء ، فرقوا بينهما ليعرفا . ويقال : اعتصب بالتاج وبالعمامة . قال الشاعر :


                                                          يعتصب التاج بين مفرقه     على جبين كأنه الذهب



                                                          وفلان حسن العصبة ، أي الاعتصاب . وعصبت رأسه بالعصا والسيف تعصيبا ، وكأنه من العصابة . وكان يقال لسعيد بن العاص بن أمية : " ذو العصابة " ، لأنه كان إذا اعتم لم يعتم قرشي إعظاما له . وينشدون :

                                                          [ ص: 338 ]

                                                          أبو أحيحة من يعتم عمته     يضرب وإن كان ذا مال وذا عدد



                                                          ومن الباب : العصاب : الغزال ، وهو القياس لأن الخيط يعصب به . قال :


                                                          طي القسامي برود العصاب



                                                          والشجرة تعصب أغصانها لينتثر ورقها . ومنه قول الحجاج : " لأعصبنكم عصب السلمة " . والعصاب : العصائب التي تعصب الشجرة ، عن دوجها فيه . قال :


                                                          مطاعيم تغدو بالعبيط جفانهم     إذا القر ألوت بالعضاه عصائبه



                                                          وقال ابن أحمر :


                                                          يا قوم ما قومي على نأيهم     إذ عصب الناس جهام وقر



                                                          أي جمعهم وضمهم . ويعصب فخذ الناقة لتدر . قال :

                                                          [ ص: 339 ]

                                                          وأخلاقنا إعطاؤنا وإباؤنا     إذا ما أبينا لا ندر لعاصب



                                                          أي لا نعطي على القسر . والعصوب من الإبل هذه ; وهي لا تدر حتى تعصب . والعصب : أن يشد أنثيا الدابة حتى تسقطا ، وهو معصوب . ويقال : عصب الفم ، وهو ريق يجتمع على الأسنان من غبار أو شدة عطش . قال :


                                                          يعصب فاه الريق أي عصب     عصب الجباب بشفاه الوطب



                                                          ومن الباب : العصبة ، قال الخليل : هم من الرجال عشرة ، ولا يقال لما دون ذلك عصبة . وإنما سميت عصبة لأنها قد عصبت ، أي كأنها ربط بعضها ببعض . والعصبة والعصابة من الناس ، والطير ، والخيل . قال النابغة :


                                                          إذا ما التقى الجمعان حلق فوقهم     عصائب طير تهتدي بعصائب



                                                          واعصوصب القوم : صاروا عصابة . واليوم العصيب : الشديد . واعصوصب اليوم : اشتد . ويوم عصبصب واعصوصبت : تجمعت . قال :


                                                          واعصوصبت بكرا من حرجف ولها     وسط الديار رذيات مرازيح



                                                          قال أبو زيد : كل شيء بشيء فقد عصب به . يقال : عصب القوم بفلان . [ ص: 340 ] قال : ومنه سميت العصبة ، وهم قرابة الرجل لأبيه وبني عمه ، وكذلك كل شيء استدار حول شيء واستكف فقد عصب به .

                                                          قال ابن الأعرابي : عصب به وعصب ، إذا طاف به ولزمه . وأنشد :


                                                          ألا ترى أن قد تداكأ ورد     وعصب الماء طوال كبد



                                                          تداكأ : تدافع . وعصب الماء : لزمه . قال أبو مهدي : عصبت الإبل بالماء تعصب عصوبا ، إذا دارت حوله وحامت عليه . قال :


                                                          قد علمت أني إذا الورد عصب



                                                          وما عصبت بذلك المكان ولا قربته . قال الخليل : العصبة هم الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد . فأما الفرائض فكل من لم تكن فريضته مسماة فهو عصبة ، إن بقي بعد الفرائض شيء أخذوه . قال الخليل : ومنه اشتق العصبية . قال ابن السكيت : ذاك رجل من عصب القوم ، أي من خيارهم . وهو قياس الباب لأنه تعصب بهم الأمور .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية