الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( علو ) العين واللام والحرف المعتل ياء كان أو واوا أو ألفا ، أصل واحد يدل على السمو والارتفاع ، لا يشذ عنه شيء . ومن ذلك العلاء والعلو . ويقولون : تعالى النهار ، أي ارتفع . ويدعى للعاثر : لعا لك عاليا ! أي ارتفع في علاء وثبات . وعاليت الرجل فوق البعير : عاليته . قال :


                                                          وإلا تجللها يعالوك فوقها وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه



                                                          [ ص: 113 ] قال الخليل : أصل هذا البناء العلو . فأما العلاء فالرفعة . وأما العلو فالعظمة والتجبر . يقولون : علا الملك في الأرض علوا كبيرا . قال الله - تعالى : إن فرعون علا في الأرض ، ويقولون : رجل عالي الكعب ، أي شريف . قال :


                                                          لما علا كعبك لي عليت



                                                          ويقال لكل شيء يعلو : علا يعلو . فإن كان في الرفعة والشرف قيل علي يعلى . ومن قهر أمرا فقد اعتلاه واستعلى عليه وبه ، كقولك استولى . والفرس إذا جرى في الرهان فبلغ الغاية قيل : استعلى على الغاية واستولى . و قال ابن السكيت : إنه لمعتل بحمله ، أي مضطلع به . وقد اعتلى به . وأنشد :


                                                          إني إذا ما لم تصلني خلتي     وتباعدت مني اعتليت بعادها



                                                          يريد علوت بعادها . وقد علوت حاجتي أعلوها علوا ، إذا كنت ظاهرا عليها . وقال الأصمعي في قول أوس :


                                                          جل الرزء والعالي



                                                          أي الأمر العظيم الذي يقهر الصبر ويغلبه . وقال أيضا في قول أمية بن أبي الصلت :

                                                          [ ص: 114 ]

                                                          إلى الله أشكو الذي قد أرى     من النائبات بعاف وعال



                                                          أي بعفوي وجهدي ، من قولك علاه كذا ، أي غلبه . والعافي : السهل . والعالي : الشديد .

                                                          قال الخليل : المعلاة : كسب الشرف ، والجمع المعالي . وفلان من علية الناس أي من أهل الشرف . وهؤلاء علية قومهم ، مكسورة العين على فعلة مخففة . والسفل والعلو : أسفل الشيء وأعلاه . ويقولون : عال عن ثوبي ، واعل عن ثوبي ، إذا أردت قم عن ثوبي وارتفع عن ثوبي; وعال عنها ، أي تنح; واعل عن الوسادة .

                                                          قال أبو مهدي : أعل علي وعال علي ، أي احمل علي .

                                                          ويقولون : فلان تعلوه العين وتعلو عنه العين ، أي لا تقبله تنبو عنه . والأصل في ذلك كله واحد . ويقال علا الفرس يعلوه علوا ، إذا ركبه; وأعلى عنه ، إذا نزل . وهذا وإن كان في الظاهر بعيدا من القياس فهو في المعنى صحيح; لأن الإنسان إذا نزل عن شيء فقد باينه وعلا عنه في الحقيقة ، لكن العرب فرقت بين المعنيين بالفرق بين اللفظين .

                                                          قال الخليل : العلياء : رأس كل جبل أو شرف . قال زهير :


                                                          تبصر خليلي هل ترى من ظعائن     تحملن بالعلياء من فوق جرثم



                                                          [ ص: 115 ] ويسمى أعلى القناة : العالية ، وأسفلها : السافلة ، والجمع العوالي . قال الخليل : العالية من محال العرب من الحجاز وما يليها ، والنسبة إليها على الأصل عالي ، والمستعمل علوي .

                                                          قال أبو عبيد ، عالى الرجل ، إذا أتى العالية . وزعم ابن دريد أنه يقال للعالية علو : اسم لها ، وأنهم يقولون : قدم فلان من علو . وزعم أن النسب إليه علوي .

                                                          قالوا : والعلية : غرفة ، على بناء حرية . وهي في التصريف فعلية ، ويقال فعلولة .

                                                          قال الفراء في قوله - تعالى - : إن كتاب الأبرار لفي عليين قالوا : إنما هو ارتفاع بعد ارتفاع إلى ما لا حد له . وإنما جمع بالواو والنون لأن العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين ، قالوه في المذكر والمؤنث نحو عليين ، فإنه إنما يراد به شيء ، لا يقصد به واحد و لا اثنان ، كما قالت العرب : " أطعمنا مرقة مرقين " . وقال :


                                                          قليصات وأبيكرينا



                                                          فجمع بالنون لما أراد العدد الذي لا يحده . وقال آخر في هذا الوزن :

                                                          [ ص: 116 ]

                                                          فأصبحت المذاهب قد أذاعت     بها الإعصار بعد الوابلينا



                                                          أراد المطر بعد المطر ، شيئا غير محدود . وقال أيضا :

                                                          يقال عليا مضر وسفلاها ،     وإذا قلت سفل قلت علي

                                                          والسماوات العلى الواحدة عليا .

                                                          فأما الذي يحكى عن أبي زيد : جئت من عليك ، أي من عندك ، واحتجاجه بقوله :


                                                          غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها     تصل وعن قيض بزيزاء مجهل



                                                          والمستعلي من الحالبين : الذي في يده الإناء ويحلب بالأخرى . ويقال المستعلي : الذي يحلب الناقة من شقها الأيسر . والبائن : الذي يحلبها من شقها الأيمن . وأنشد :


                                                          يبشر مستعليا بائن     من الحالبين بأن لا غرارا



                                                          ويقال : جئتك من أعلى ، ومن علا ، ومن عال ، ومن عل . قال أبو النجم :


                                                          أقب من تحت عريض من عل



                                                          وقد رفعه بعض العرب على الغاية ، قال ابن رواحة :


                                                          شهدت فلم أكذب بأن محمدا     رسول الذي فوق السماوات من عل



                                                          [ ص: 117 ] وقال آخر في وصف فرس :


                                                          ظمأى النسا من تحت ريا من عال     فهي تفدى بالأبين والخال



                                                          فأما قول الأعشى :


                                                          إني أتتني لسان لا أسر لها     من علو لا عجب فيها ولا سخر



                                                          فإنه ينشد فيها على ثلاثة أوجه : مضموما ، ومفتوحا ، ومكسورا .

                                                          وأنشد غيره :


                                                          فهي تنوش الحوض نوشا من علا     نوشا به تقطع أجواز الفلا



                                                          قال ابن السكيت : أتيته من معال . وأنشد :


                                                          فرج عنه حلق الأغلال     جذب البرى وجرية الجبال




                                                          ونغضان الرحل من معال



                                                          ويقال : عوليت الفرس ، إذا كان خلقها معالى . ويقال ناقة عليان ، أي طويلة جسيمة . ورجل عليان : طويل . وأنشد :


                                                          أنشد من خوارة عليان     ألقت طلا بملتقى الحومان



                                                          [ ص: 118 ] قال الفراء : جمل عليان ، وناقة عليان . ولم نجد المكسور أوله جاء نعتا في المذكر والمؤنث غيرهما . وأنشد :


                                                          حمراء من معرضات الغربان     تقدمها كل علاة عليان



                                                          ويقال لمعالي الصوت عليان أيضا . فأما أبو عمرو فزعم أنه لا يقال للذكر عليان ، إنما يقولون جمل نبيل . فأما قولهم : تعال ، فهو من العلو ، كأنه قال اصعد إلي; ثم كثر حتى قاله الذي بالحضيض لمن هو في علوه . ويقال تعاليا ، وتعالوا ، لا يستعمل هذا إلا في الأمر خاصة ، وأميت فيما سوى ذلك . ويقال لرأس الرجل وعنقه علاوة . والعلاوة : ما يحمل على البعير بعد تمام الوقر . وقوله :


                                                          ألا أيها الغادي تحمل رسالة     خفيفا معلاها جزيلا ثوابها



                                                          معلاها : محملها . ويقال : قعد في علاوة الريح وسفالتها . وأنشد :


                                                          تهدي لنا كلما كانت علاوتنا     ريح الخزامى فيها الندى والخضل



                                                          قال : الخليل المعلى : السابع من القداح ، وهو أفضلها ، وإذا فاز حاز سبعة أنصباء من الجزور ، وفيه سبع فرض : علامات . والمعلي : الذي يمد الدلو إذا متح . قال :

                                                          [ ص: 119 ]

                                                          هوي الدلو نزاها المعل



                                                          ويقال للمرأة إذا طهرت من نفاسها : قد تعلت ، وهي تتعلى . وزعموا أن ذلك لا يقال إلا للنفساء ، ولا يستعمل في غيرها . قال جرير :


                                                          فلا ولدت بعد الفرزدق حامل     ولا ذات حمل من نفاس تعلت



                                                          قال الأصمعي : يقال : عل رشاءك ، أي ألقه فوق الأرشية كلها . ويقال إن المعلى : الذي إذا زاغ الرشاء عن البكرة علاه فأعاده إليها . قال العجير :


                                                          ولي مائح لم يورد الماء قبله     معل وأشطان الطوي كثير



                                                          ويقولون في رجل خاصمه [ آخر ] : إن له من يعليه عليه .

                                                          وأما علوان الكتاب فزعم قوم أنه غلط ، إنما هو عنوان . وليس ذلك غلطا ، واللغتان صحيحتان وإن كانتا مولدتين ليستا من أصل كلام العرب . وأما عنوان فمن عن . وأما علوان فمن العلو ، لأنه أول الكتاب وأعلاه .

                                                          ومن الباب العلاة ، وهي السندان ، ويشبه به الناقة الصلبة . قال :

                                                          [ ص: 120 ]

                                                          ومبلد بين موماة بمهلكة     جاوزته بعلاة الخلق عليان



                                                          قال الخليل : علي على فعيل ، والنسبة إليه علوي . وبنو علي : بطن من كنانة ، يقال هو علي بن سود الغساني ، تزوج بأمهم بعد أبيهم ورباهم فنسبوا إليه . قال :


                                                          وقالت ربايانا ألا يال عامر     على الماء رأس من علي ملفف



                                                          وقال أبو سعيد : يقال ما أنت إلا على أعلى وأروح ، أي في سعة وارتفاع . ويقال " أعلى " : السماوات . وأما " أروح " فمهب الرياح من آفاق الأرض . قال ابن هرمة :


                                                          غدا الجود يبغي من يؤدي حقوقه     فراح وأسرى بين أعلى وأروحا



                                                          أي راح وأسرى بين أعلى ماله وأدونه ، فاحتكم في ذلك كله .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية