الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عدو ) العين والدال والحرف المعتل أصل واحد صحيح يرجع إليه الفروع كلها ، وهو يدل على تجاوز في الشيء وتقدم لما ينبغي أن يقتصر عليه . من ذلك العدو ، وهو الحضر . تقول : عدا يعدو عدوا ، وهو عاد . قال الخليل : والعدو مضموم مثقل ، وهما لغتان : إحداهما عدو كقولك غزو ، والأخرى عدو كقولك حضور وقعود . قال الخليل : التعدي : تجاوز ما ينبغي أن يقتصر عليه . وتقرأ هذه الآية على وجهين : فيسبوا الله عدوا بغير علم و " عدوا " . والعادي : الذي يعدو على الناس ظلما وعدوانا . وفلان يعدو أمرك ، وما عدا أن صنع كذا . ويقال من عدو الفرس : عدوان ، أي جيد العدو وكثيره . وذئب عدوان : يعدو على الناس . قال :


                                                          تذكر إذ أنت شديد القفز نهد القصيرى عدوان الجمز



                                                          وتقول : ما رأيت أحدا ما عدا زيدا . قال الخليل : أي ما جاوز زيدا . ويقال : عدا فلان طوره . ومنه العدوان ، قال : وكذلك العداء ، والاعتداء ، والتعدي . وقال أبو نخيلة :


                                                          ما زال يعدو طوره العبد الردي     ويعتدي ويعتدي ويعتدي



                                                          قال : والعدوان : الظلم الصراح . والاعتداء مشتق من العدوان . فأما [ ص: 250 ] العدوى فقال الخليل : هو طلبك إلى وال أو قاض أن يعديك على من ظلمك أي ينقم منه باعتدائه عليك . والعدوى ما يقال إنه يعدي من جرب أو داء . وفي الحديث : لا عدوى ولا يعدي شيء شيئا . والعداء كذلك . وهذا قياس ، أي إذا كان به داء لم يتجاوزه إليك . والعدوة : عدوة اللص وعدوة المغير . يقال عدا عليه فأخذ ماله ، وعدا عليه بسيفه : ضربه لا يريد به عدوا على رجليه ، لكن هو من الظلم . وأما قوله :


                                                          وعادت عواد بيننا وخطوب



                                                          فإنه يريد أنها تجاوزت حتى شغلت . ويقال : كف عنا عاديتك . والعادية : شغل من أشغال الدهر يعدوك عن أمرك ، أي يشغلك . والعداء : الشغل . قال زهير :


                                                          فصرم حبلها إذ صرمته     وعادك أن تلاقيها عداء



                                                          فأما العداء فهو أن يعادي الفرس أو الكلب [ أو ] الصياد بين صيدين ، يصرع أحدهما على إثر الآخر . قال امرؤ القيس :

                                                          [ ص: 251 ]

                                                          فعادى عداء بين ثور ونعجة     وبين شبوب كالقضيمة قرهب



                                                          فإن ذلك مشتق من العدو أيضا ، كأنه عدا على هذا وعدا على الآخر . وربما قالوا : عداء ، بنصب العين . وهو الطلق الواحد . قال :


                                                          يصرع الخمس عداء في طلق



                                                          والعداء : طوار كل شيء ، انقاد معه عرضه أو طوله . يقولون : لزمت عداء النهر ، وهذا طريق يأخذ عداء الجبل . وقد يقال العدوة في معنى العداء ، وربما طرحت الهاء فيقال عدو ، ويجمع فيقال : أعداء النهر ، وأعداء الطريق . قال : والتعداء : التفعال . وربما سموا المنقلة العدواء . وقال ذو الرمة :


                                                          هام الفؤاد بذكراها وخامره     منها على عدواء الدار تسقيم



                                                          قال الخليل : والعندأوة : التواء وعسر قال الخليل : وهو من العداء . ونقول : عدى عن الأمر يعدي تعدية ، أي جاوزه إلى غيره . وعديت عني الهم ، أي نحيته عني . وعد عني إلى غيري . وعد عن هذا الأمر ، أي تجاوزه وخذ في غيره . قال النابغة :


                                                          فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له     وانم القتود على عيرانة أجد



                                                          [ ص: 252 ] وتقول : تعديت المفازة ، أي تجاوزتها إلى غيرها . وعديت الناقة أعديها . قال :


                                                          ولقد عديت دوسرة     كعلاة القين مذكارا



                                                          ومن الباب : العدو ، وهو مشتق من الذي قدمنا ذكره ، يقال للواحد والاثنين والجمع : عدو . قال الله - تعالى - في قصة إبراهيم : فإنهم عدو لي إلا رب العالمين . والعدى والعدى والعادي والعداة . وأما العدواء فالأرض اليابسة الصلبة ، وإنما سميت بذلك لأن من سكنها تعداها . قال الخليل : وربما جاءت في جوف البئر إذا حفرت ، وربما كانت حجرا حتى يحيدوا عنها بعض الحيد . وقال العجاج في وصف الثور وحفره الكناس ، يصف أنه انتهى إلى عدواء صلبة فلم يطق حفرها فاحرورف عنها :


                                                          وإن أصاب عدواء احرورفا     عنها وولاها الظلوف الظلفا



                                                          والعدوة : صلابة من شاطئ الواد . ويقال عدوة ، لأنها تعادي النهر مثلا ، أي كأنهما اثنان يتعاديان . قالالخليل : والعدوية من نبات الصيف بعد ذهاب الربيع ، يخضر فترعاه الإبل . تقول : أصابت الإبل عدوية ، وزنه فعلية .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية