الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عد ) العين والدال أصل صحيح واحد لا يخلو من العد الذي هو الإحصاء . ومن الإعداد الذي هو تهيئة الشيء . وإلى هذين المعنيين ترجع فروع الباب كلها . فالعد : إحصاء الشيء . تقول : عددت الشيء أعده عدا فأنا عاد ، والشيء معدود . والعديد : الكثرة . وفلان في عداد الصالحين ، أي يعد معهم . والعدد : مقدار ما يعد ، ويقال : ما أكثر عديد بني فلان وعددهم . وإنهم ليتعادون ويتعددون على عشرة آلاف ، أي يزيدون عليها . ومن الوجه الآخر العدة . ما أعد لأمر يحدث . يقال أعددت الشيء أعده إعدادا . واستعددت للشيء وتعددت له .

                                                          [ ص: 30 ] قال الأصمعي : وفي الأمثال :

                                                          كل امرئ يعدو بما استعدا

                                                          ومن الباب العدة من العد . ومن الباب : العد : مجتمع الماء ، وجمعه أعداد . وإنما قلنا إنه من الباب لأن الماء الذي لا ينقطع كأنه الشيء الذي أعد دائما . قال :

                                                          وقد أجزت على عنس مذكرة ديمومة ما بها عد ولا ثمد

                                                          قال أبو عبيدة : العد : القديمة من الركايا الغزيرة ، ولذلك يقال : حسب عد أي قديم ، والجمع أعداد . قال : وقد يجعلون كل ركية عدا . ويقولون : ماء عد ، يجعلونه صفة ، وذلك إذا كان من ماء الركايا . قال :


                                                              لو كنت ماء عدا جممت
                                                          إذا ما أورد القوم لم يكن وشلا



                                                          قال أبو حاتم : العد : ماء الأرض ، كما أن الكرع ماء السماء . قال ذو الرمة :


                                                          بها العين والآرام لا عد عندها     ولا كرع ، إلا المغارات والربل



                                                          [ ص: 31 ] فأما العداد فاهتياج وجع اللديغ . واشتقاقه وقياسه صحيح; لأن ذلك لوقت بعينه ، فكأن ذلك الوقت يعد عدا . قال الخليل : العداد اهتياج وجع اللديغ ، وذلك أن رب حية إذا بل سليمها عادت . ولو قيل عادته ، كان صوابا ، وذلك إذا تمت له سنة مذ يوم لدغ اهتاج به الألم . وهو معاد ، وكأن اشتقاقه من الحساب من قبل عدد الشهور والأيام ، يعني أن الوجع كان يعد ما يمضي من السنة ، فإذا تمت عاود الملدوغ . قال الشيباني : عداد الملدوغ : أن يجد الوجع ساعة بعد ساعة . قال ابن السكيت : عداد السليم : أن يعد له سبعة أيام ، فإذا مضت رجوا له البرء وإذا لم تمض سبعة ، فهو في عداد . قال ابن الأعرابي : العداد يوم العطاء وكذلك كل شيء كان في السنة وقتا مؤقتا . ومنه قوله عليه السلام : ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري ، أي تأتيني كل سنة لوقت . قال :

                                                          أصبح باقي الوصل من سعادا علاقة وسقما عدادا

                                                          ومن الباب العدان : الزمان ، وسمي عدانا لأن كل زمان فهو محدود معدود . وقال الفرزدق :


                                                          بكيت امرأ فظا غليظا ملعنا     ككسرى على عدانه أو كقيصرا



                                                          قال الخليل : يقال : كان ذلك في عدان شبابه وعدان ملكه ، هو أكثره وأفضله وأوله . قال :


                                                          والملك مخبو على عدانه



                                                          [ ص: 32 ] المعنى أن ذلك كان مهيأ له معدا . هذا قول الخليل . وذكر عن الشيباني أن العداد أن يجتمع القوم فيخرج كل واحد منهم نفقة . فأما عداد القوس فناس يقولون : إنه صوتها ، هكذا يقولون مطلقا . وأصح [ من ] ذلك ما قاله ابن الأعرابي ، أن عداد القوس أن تنبض بها ساعة بعد ساعة . وهذا أقيس . قال الهذلي في عدادها :


                                                          وصفراء من نبع كأن عدادها     مزعزعة تلقي الثياب حطوم



                                                          فأما قول كثير :


                                                          فدع عنك سعدى إنما تسعف النوى     عداد الثريا مرة ثم تأفل


                                                          ف قال ابن السكيت : يقال : لقيت [ فلانا ] عداد الثريا القمر ، أي مرة في الشهر . وزعموا أن القمر ينزل بالثريا مرة في الشهر .

                                                          وأما معد فقد ذكره ناس في هذا الباب ، كأنهم يجعلون الميم زائدة ، ويزنونه بمفعل ، وليس هذا عندنا كذا ، لأن القياس لا يوجبه ، وهو عندنا فعل من الميم والعين والدال ، وقد ذكرناه في موضعه من كتاب الميم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية