فالأول دهر وحين ، والثاني ضغط شيء حتى يتحلب ، والثالث تعلق بشيء وامتساك به .
فالأول العصر ، وهو الدهر . قال الله : والعصر إن الإنسان لفي خسر . وربما قالوا عصر . قال امرؤ القيس :
[ ص: 341 ]
ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
قال الخليل : والعصران : الليل والنهار . قال :
ولن يلبث العصران يوم وليلة إذا اختلفا أن يدركا ما تيمما
قالوا : وبه سميت صلاة العصر ، لأنها تعصر ، أي تؤخر عن الظهر . والغداة والعشي يسميان العصرين . قال :
المطعمو الناس اختلاف العصرين
: أعصر القوم وأقصروا ، من العصر والقصر . ويقال : عصروا واحتبسوا إلى العصر . وروي حديث أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لرجل : ابن الأعرابي . قال الرجل : وما كانت من لغتنا ، فقلت : وما العصران ؟ قال : حافظ على العصرين ، يريد صلاة الصبح وصلاة العصر . صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها
فأما الجارية المعصر فقد قاسه ناس هذا القياس ، وليس الذي قالوه فيه ببعيد .
قال الخليل وغيره : الجارية إذا رأت في نفسها زيادة الشباب فقد أعصرت ، وهي معصر بلغت عصر شبابها وإدراكها . قال أبو ليلى : إذا بلغت الجارية وقربت من حيضها فهي معصر . وأنشد :
[ ص: 342 ]
جارية بسفوان دارها قد أعصرت أو قد دنا إعصارها
قال قوم : سميت معصرا لأنها تغيرت عن عصرها . وقال آخرون فيه غير هذا ، وقد ذكرناه في موضعه .
والأصل الثاني العصارة : ما تحلب من شيء تعصره . قال :
عصارة الخبز الذي تحلبا
وهو العصير . وقال في العصارة :
العود يعصر ماؤه ولكل عيدان عصاره
وقال : تقول العرب : " لا أفعله مادام الزيت يعصر " . قال ابن السكيت أوس :
فلا برء من ضباء والزيت يعصر
والعرب تجعل العصارة والمعتصر مثلا للخير والعطاء ، إنه لكريم العصارة وكريم المعتصر . وعصرت العنب ، إذا وليته بنفسك . واعتصرته ، إذا عصر لك خاصة . والمعصار : شيء كالمخلاة يجعل فيه العنب ويعصر .
ومن الباب : المعصرات : سحائب تجيء بمطر . قال الله - سبحانه - : [ ص: 343 ] وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا . وأعصر القوم ، إذا أتاهم المطر . وقرئت : " فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " ، أي يأتيهم المطر . وذلك مشتق من عصر العنب وغيره . فأما الرياح وتسميتهم إياها المعصرات فليس يبعد أن يحمل على هذا الباب من جهة المجاورة ، لأنها لما أثارت السحاب المعصرات سميت معصرات وإعصارا . قال في المعصرات :
وكأن سهك المعصرات كسونها ترب الفدافد والبقاع بمنخل
والإعصار : الغبار الذي يسطع مستديرا ; والجمع الأعاصير . قال :
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
ويقال في غبار العجاجة أيضا : إعصار . قال الله - تعالى - : فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت . ويقال : مر فلان ولثيابه عصرة ، أي فوح طيب وهيجه . وهو مأخوذ من الإعصار . وفي الحديث : " مرت امرأة متطيبة لذيلها عصرة " .
[ ص: 344 ] ومن الباب العصر والاعتصار . قال الخليل : الاعتصار : أن يخرج من إنسان مال بغرم أو بوجه من الوجوه .
قال : يقال : بنو فلان يعتصرون العطاء . قال ابن الأعرابي : المعتصر : الذي يأخذ من الشيء يصيب منه . قال الأصمعي : ابن أحمر
وإنما العيش بربانه وأنت من أفنانه معتصر
ويقال للغلة عصارة . وفسر قوله - تعالى : وفيه يعصرون ، قال : يستغلون بأرضيهم . وهذا من القياس ، لأنه شيء كأنه اعتصر كما يعتصر العنب وغيره . قال الخليل : العصر : العطاء . قال طرفة :
لو كان في أملاكنا أحد يعصر فينا كالذي تعصر
أي تعطي .
والأصل الثالث : العصر : الملجأ ، يقال اعتصر بالمكان ، إذا التجأ إليه . قال أبو دواد :
مسح لا يواري العي ر منه عصر اللهب
ويقال : ليس لك من هذا الأمر عصرة ، على فعلة ، وعصر على تقدير فعل ، أي ملجأ . وقال في العصرة :
[ ص: 345 ]
ولقد كان عصرة المنجود
ويقال في قول القائل :
أعشى رأيت الرمح أو هو مبصر لأستاهكم إذ تطرحون المعاصرا
إن المعاصر : العمائم . وقالوا : هي ثياب سود . والصحيح من ذلك أن المعاصر الدروع ، مأخوذ من العصر ، لأنه يعصر بها . والله أعلم .