فالأول يدل على لطخ شيء بغير طيب ، وما أشبه ذلك ، والثاني يدل على صوت ، والثالث يدل على سمو وارتفاع ، والرابع يدل على معالجة شيء . وذلك بشرط أنا لا نعد النبات ولا الأماكن فيما ينقاس من كلام العرب .
[ ص: 33 ] فالأول العر والعر . قال الخليل : هما لغتان ، يقال هو الجرب . وكذلك العرة . وإنما سمي بذلك لأنه كأنه لطخ بالجسد . ويقال العرة القذر بعينه . وفي الحديث : لعن الله بائع العرة ومشتريها .
قال : العر الجرب . والعر : تسلخ جلد البعير . وإنما يكوى من العر لا من العر . قال ابن الأعرابي محمد بن حبيب : جمل أعر ، أي أجرب . وناقة عراء . قال النضر : جمل عار وناقة عارة ، ولا يقال : معرور في الجرب ، لأن المعرورة التي يصيبها عين في لبنها وطرقها . وفي مثل : " نح الجرباء عن العارة " . قال : والجرباء : التي عمها الجرب ، والعارة : التي قد بدأ فيها ذلك ، فكأن رجلا أراد أن يبعد بإبله الجرباء عن العارة ، فقال صاحبه مبكتا له بذلك ، أي لم ينحيها وكلها أجرب . ويقال : ناقة معرورة قد مست ضرعها نجاسة فيفسد لبنها . ورجل عارورة ، أي قاذورة ، قال أبو ذؤيب :
فكلا أراه قد أصاب عرورها
[ ص: 34 ] قال : العر : القرح ، مثل القوباء يخرج في أعناق الإبل ، وأكثر ما يصيب الفصلان . الأصمعي
قال أبو زيد : يقال : أعر فلان ، إذا أصاب إبله العر .
قال الخليل : العرة : القذر ، يقال هو عرة من العرر ، أي من دنا منه لطخه بشر . قال : وقد يستعمل العرة في الذي للطير أيضا . قال الطرماح :
في شناظي أقن بينها عرة الطير كصوم النعام
الشناظي : أطراف الجبل ، الواحد شنظوة . ولم تسمع إلا في هذا البيت .
ويقال : استعرهم الشر ، إذا فشا فيهم . ويقال عره بشر يعره عرا ، إذا رماه به . قال الخليل : المعرة : ما يصيب الإنسان من إثم . قال الله - سبحانه - : فتصيبكم منهم معرة بغير علم
ولعل من هذا الباب ما رواه أبو عبيد : رجل فيه عرارة ، أي سوء خلق .
فأما المعتر الذي هو الفقير والذي يعترك ويتعرض لك ، فعندنا أنه من هذا ، كأنه إنسان يلاز ويلازم . والعرارة التي ذكرها أبو عبيد من سوء الخلق ، ففيه لغة أخرى ، قال الشيباني : العرعر : سوء الخلق . قال مالك الدبيري :
وركبت صومها وعرعرها فلم أصلح لها ولم أكد
يقول : لم أصلح لهم ما صنعوا . والصوم : القذر . يريد ارتكبت سوء أفعالها ومذموم خلقها .
[ ص: 35 ] ومن الباب المعرار ، من النخل . قال أبو حاتم : المعرار : المحشاف . ويقال : بل المعرار التي يصيبها [ مثل العر ، وهو ] الجرب .
ومن الباب العرير ، وهو الغريب . وإنما سمي عريرا على القياس الذي ذكرناه لأنه كأنه عر بهؤلاء الذين قدم عليهم ، أي ألصق بهم . وهو يرجع إلى باب المعتر .
ومن ذلك حديث حاطب ، حين قيل له : لم كاتبت أهل مكة ؟ فقال : " كنت عريرا فيهم " أي غريبا لا ظهر لي .
ومن الباب المعرة في السماء ، وهي ما وراء المجرة من ناحية القطب الشمالي . سمي معرة لكثرة النجوم فيه . قال : وأصل المعرة موضع العر ، يعني الجرب . والعرب تسمي السماء الجرباء ، لكثرة نجومها . وسأل رجل رجلا عن منزله فأخبره أنه ينزل بين حيين عظيمين من العرب ، فقال : " نزلت بين المجرة والمعرة " .
والأصل الثاني : الصوت . فالعرار : عرار الظليم ، وهو صوته . قال لبيد :
تحمل أهلها إلا عرارا وعزفا بعد أحياء حلال
قال : عار الظليم يعار . ولا يقال عر . قال ابن الأعرابي أبو عمرو : العرار : صوت الذكر إذا أراد الأنثى . والزمار : صوت الأنثى إذا أرادت الذكر . وأنشد :
[ ص: 36 ]
متى ما تشأ تسمع عرارا بقفرة يجيب زمارا كاليراع المثقب
ومن الباب : عرعار ، وهي لعبة للصبيان ، يخرج الصبي فإذا لم يجد صبيانا رفع صوته فيخرج إليه الصبيان . قال : الكميت
حيث لا تنبض القسي ولا تل قى بعرعار ولدة مذعورا
وقال النابغة :
متكنفي جنبي عكاظ كليهما يدعو وليدهم بها عرعار
يريد أنهم آمنون ، وصبيانهم يلعبون هذه اللعبة . ويريد أن هذا الثور لا يسمع إنباض القسي ولا أصوات الصبيان ولا يذعره صوت . يقال عرعرة وعرعار ، كما قالوا قرقرة وقرقار ، وإنما هي حكاية صبية العرب . الكميت
والأصل الثالث الدال على سمو وارتفاع . قال الخليل : عرعرة كل شيء : أعلاه . قال الفراء : العرعرة : المعرفة من كل دابة . والعرعرة : طرف السنام . قال أبو زيد : عرعرة السنام : عصبة تلي الغراضيف .
ومن الباب : جمل عراعر ، أي سمين . قال النابغة :
[ ص: 37 ] له بفناء البيت جوفاء جونة تلقم
أوصال الجزور العراعر
ويتسعون في هذا حتى يسموا الرجل الشريف عراعر . قال مهلهل :
خلع الملوك وسار تحت لوائه شجر العرى وعراعر الأقوام
ومن الباب : حمار أعر ، إذا كان السمن في صدره وعنقه . ومنه العرارة وهي السودد . قال :
إن العرارة والنبوح لدارم والمستخف أخوهم الأثقالا
قال : العرارة العز ، يقال هو في عرارة خير ، وتزوج فلان في عرارة نساء ، إذا تزوج في نساء يلدن الذكور . فأما العرر الذي ذكره ابن الأعرابي الخليل في صغر السنام فليس مخالفا لما قلناه; لأنه يرجع إلى الباب الأول من لصوق الشيء بالشيء ، كأنه من صغره لاصق بالظهر . يقال جمل أعر وناقة عراء ، إذا لم يضخم سنامها وإن كانت سمينة ; وهي بينة العرر وجمعها عر . قال :
أبدأن كوما ورجعن عرا
ويقولون : نعجة عراء ، إذا لم تسمن أليتها; وهو القياس ، لأن ذلك كالشيء الذي كأنه قد عر بها ، أي ألصق .
[ ص: 38 ] والأصل الرابع ، وهو معالجة الشيء . تقول : عرعرت اللحم عن العظم ، وشرشرته ، بمعنى . قالوا : والعرعرة المعالجة للشيء بعجلة ، إذا كان الشيء يعسر علاجه . تقول : عرعرت رأس القارورة ، إذا عالجته لتخرجه . ويقال إن رجلا من العرب ذبح كبشا ودعا قومه فقال لامرأته : إني دعوت هؤلاء فعالجي هذا الكبش وأسرعي الفراغ منه ، ثم انطلق ودعا بالقوم ، فقال لها : ما صنعت ؟ فقالت : قد فرغت منه كله إلا الكاهل فأنا أعرعره ويعرعرني . قال : تزوديه إلى أهلك . فطلقها . وقال : ذو الرمة
وخضراء في وكرين عرعرت رأسها لأبلي إذا فارقت في صحبتي عذرا
فأما العرعر فشجر . وقد قلنا إن ذلك [ غير ] محمول على القياس ، وكذلك أسماء الأماكن نحو عراعر ، ومعرين ، وغير ذلك .