فالأول الجرح أو ما يشبه الجرح من الهزم في الشيء . والثاني دال على ثبات ودوام .
فالأول قول الخليل : العقر كالجرح ، يقال : عقرت الفرس ، أي كسعت قوائمه بالسيف . وفرس عقير ومعقور . وخيل عقرى . قال زياد :
وإذا مررت بقبره فاعقر به كوم الهجان وكل طرف سابح
وقال لبيد :
لما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالعقير الأعزل
شبه النسر بالفرس المعقور . وتعقر الناقة حتى تسقط ، فإذا سقطت نحرها مستمكنا منها . قال امرؤ القيس :
ويوم عقرت للعذارى مطيتي فيا عجبا لرحلها المتحمل
[ ص: 91 ] والعقار : الذي يعنف بالإبل لا يرفق بها في أقتابها فتدبرها . وعقرت ظهر الدابة : أدبرته . قال امرؤ القيس :
تقول وقد مال الغبيط بنا معا عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
وقول القائل : عقرت بي ، أي أطلت حبسي ، ليس هذا تلخيص الكلام ، إنما معناه حبسه حتى كأنه عقر ناقته فهو لا يقدر على السير . وكذلك قول القائل :
قد عقرت بالقوم أم الخزرج إذا مشت سالت ولم تدحرج
ويقال تعقر الغيث : أقام ، كأنه شيء قد عقر فلا يبرح . ومن الباب : العاقر من النساء ، وهي التي لا تحمل . وذلك أنها كالمعقورة . ونسوة عواقر ، والفعل عقرت تعقر عقرا ، وعقرت تعقر أحسن . قال الخليل : لأن ذلك شيء ينزل بها من غيرها ، وليس هو من فعلها بنفسها . وفي الحديث : " عجز عقر " .
قال أبو زيد : عقرت المرأة وعقرت ، ورجل عاقر ، وكان القياس عقرت لأنه لازم ، كقولك : ظرف وكرم .
وفي المثل : " أعقر من بغلة " . وقول الشاعر يصف عقابا :
[ ص: 92 ]
لها ناهض في الوكر قد مهدت له كما مهدت للبعل حسناء عاقر
وذلك أن العاقر أشد تصنعا للزوج وأحفى به ، لأنه [ لا ] ولد لها تدل بها ، ولا يشغلها عنه .
ويقولون : لقحت الناقة عن عقر ، أي بعد حيال ، كما يقال عن عقم .
ومما حمل على هذا قولهم لدية فرج المرأة عقر ، وذلك إذا غصبت . وهذا مما تستعمله العرب في تسمية الشيء باسم الشيء ، إذا كانا متقاربين . فسمي المهر عقرا ، لأنه يؤخذ بالعقر . وقولهم : " بيضة العقر " اسم لآخر بيضة تكون من الدجاجة فلا تبيض بعدها ، فتضرب مثلا لكل شيء لا يكون بعده شيء من جنسه .
قال الخليل : سمعت أعرابيا من أهل الصمان يقول : كل فرجة بين شيئين فهو عقر وعقر ، ووضع يده على قائمتي المائدة ونحن نتغدى فقال : ما بينهما عقر . ويقال النخلة تعقر ، أي يقطع رأسها فلا يخرج من ساقها أبدا شيء . فذلك العقر ، ونخلة عقرة . ويقال كلأ عقار ، أي يعقر الإبل ويقتلها .
وأما قولهم : رفع عقيرته ، إذا تغنى أو قرأ ، فهذا أيضا من باب المجاورة ، وذلك فيما يقال رجل قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى وصرخ بأعلى صوته ، ثم قيل ذلك لكل من رفع صوته . والعقيرة هي الرجل المعقورة ، ولما كان رفع الصوت عندها سمي الصوت بها .
فأما قولهم : ما رأيت عقيرة كفلان ، يراد الرجل الشريف ، فالأصل في [ ص: 93 ] ذلك أن يقال للرجل القتيل الكبير الخطير : ما رأيت كاليوم عقيرة وسط قوم ! قال :
إذا الخيل أجلى شاؤها فقد عقر خير من يعقره عاقر
قال الخليل : يقال في الشتيمة : عقرا له وجدعا . ويقال للمرأة حلقى عقرى . يقول : عقرها الله ، أي عقر جسدها; وحلقها ، أي أصابها بوجع في حلقها . وقال قوم : توصف بالشؤم ، أي إنها تحلق قومها وتعقرهم . ويقال عقرت الرجل ، إذا قلت له : عقرى حلقى . وحكي عن بعض الأعراب : " ما نتشت الرقعة ولا عقرتها " أي ولا أتيت عليها . والرقعة : الكلأ المتلبد . يقال كلؤها ينتش ولا يعقر .
ويقولون : عقرة العلم النسيان ، على وزن تخمة ، أي إنه يعقره . وأخلاط الدواء يقال لها العقاقير ، واحدها عقار . وسمي بذلك لأنه كأنه عقر الجوف . ويقال العقر : داء يأخذ الإنسان عند الروع فلا يقدر أن يبرح ، وتسلمه رجلاه .
قال الخليل : سرج معقر ، وكلب عقور .
قال : كلب عقور ، وسرج عقرة ومعقر . قال ابن السكيت البعيث :
ألح على أكتافهم قتب عقر
[ ص: 94 ] ويقال سرج معقر وعقار ومعقار .
وأما الأصل الآخر فالعقر القصر الذي يكون معتمدا لأهل القرية يلجؤون إليه . قال لبيد :
كعقر الهاجري إذ ابتناه بأشباه حذين على مثال
الأشباه : الآجر ; لأنها مضروبة على مثال واحد .
قال أبو عبيد : العقر كل بناء مرتفع . قال الخليل : عقر الدار : محلة القوم بين الدار والحوض ، كان هناك بناء أو لم يكن . وأنشد لأوس بن مغراء :
أزمان سقناهم عن عقر دارهم حتى استقر وأدناهم لحورانا
قال : والعقر أصل كل شيء . وعقر الحوض : موقف الإبل إذا وردت . قال : ذو الرمة
بأعقاره القردان هزلى كأنها نوادر صيصاء الهبيد المحطم
يعني أعقار الحوض . وقال في عقر الحوض :
فرماها في فرائصها من إزاء الحوض أو عقره
ويقال للناقة التي تشرب من عقر الحوض عقرة ، وللتي تشرب من إزائه أزية .
ومن الباب عقر النار : مجتمع جمرها . قال :
[ ص: 95 ]
وفي قعر الكنانة مرهفات كأن ظباتها عقر بعيج
قال الخليل : العقار : ضيعة الرجل ، والجمع العقارات . يقال ليس له دار ولا عقار . قال : العقار هو المتاع المصون ، ورجل معقر : كثير المتاع . ابن الأعرابي
قال أبو محمد القتيبي : العقيرى اسم مبني من عقر الدار ، ومنه حديث أم سلمة لعائشة : " سكني عقيراك فلا تصحريها " ، تريد الزمي بيتك .
ومما شبه بالعقر ، وهو القصر ، العقر : غيم ينشأ من قبل العين فيغشى عين الشمس وما حولها . قال حميد :
فإذا احزألت في المناخ رأيتها كالعقر أفرده العماء الممطر
وقد قيل إن الخمر تسمى عقارا لأنها عاقرت الدن ، أي لازمته . والعاقر من الرمل : ما ينبت شيئا كأنه طحين منخول . وهذا هو الأصل الثاني .
وقد بقيت أسماء مواضع لعلها تكون مشتقة من بعض ما ذكرناه .
من ذلك عقاراء : موضع ، قال حميد :
ركود الحميا طلة شاب ماءها بها من عقاراء الكروم ربيب
[ ص: 96 ] والعقر : موضع ببابل ، قتل فيه يزيد بن المهلب ، يقال لذلك اليوم يوم العقر . قال الطرماح :
فخرت بيوم العقر شرقي بابل وقد جبنت فيه تميم وقلت
وعقرى : ماء . قال :
ألا هل أتى سلمى بأن خليلها على ماء عقرى فوق إحدى الرواحل